رغم كل ما تواجهه سوريا من تحديات سياسية واقتصادية، إلا أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الشعب السوري اليوم والحكومة السورية هو الاحتلال الأمريكي للجزيرة وقاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية. فالحرب الإرهابية التي شنتها الولايات المتحدة وأدواتها على سوريا، وما تلاها من تداعيات خطيرة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، واحتلال الولايات المتحدة وتركيا لأجزاء من الأراضي السورية، لم تترك خيارات كثيرة لسوريا ولحكومتها، وهي اليوم تواجه تحديات داخلية وخارجية جمة في مقدمتها الاحتلال الأمريكي لأجزاء واسعة من الجزيرة السورية، وهي سلة غذاء سوريا. فالاحتلال يسرق النفط السوري والقمح السوري والقطن السوري والمياه السورية والأرض السورية، ويحرم الشعب من خيراتها ومن مواردها، بالإضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية وحرمان سوريا من مواردها لشراء المواد الأساسية وخاصة الدواء والغذاء وحليب الأطفال، وتهديد الدول التي تدعم سوريا مثل روسيا والصين بالمزيد من العقوبات، مع أن روسيا تتعرض أيضا لعقوبات أمريكية غير مسبوقة بسبب العملية العسكرية الروسية في الدونباس.
ومع كل هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية الأمريكية على المواطن السوري البسيط والعادي، فإن واشنطن تواصل حملات النفاق والكذب وتقول إنها تعاقب النظام السوري فقط. وهي تزيد من نهب الاقتصاد والثروات السورية وتفرض عقوبات قاسية تحت مسمى قانون قيصر على كل الدول والأشخاص والشركات التي تتعاون مع سوريا بأي صيغة كانت. وكل ذلك لزيادة الضغوط على الحكومة السورية لخنقها وتركيعها.
ولا يقتصر التحدي الذي يواجه سوريا وشعبها وحكومتها على قانون قيصر الأمريكي وسرقة الاحتلال الأمريكي للثروات الوطنية. في كل يوم تقوم قوات الاحتلال بإخراج عشرات الصهاريج المحملة بالنفط السوري إلى خارج الحدود السورية باتجاه العراق. فالولايات المتحدة لا تزال تستثمر بالإرهاب كأداة رئيسية من أدواتها في سوريا وفي كل مكان لتحقيق أهدافها ومصالحها وأجنداتها. وهي في سوريا تدعم تنظيمات المعارضة الإرهابية وتنظيم داعش في البادية السورية والتنظيمات الإرهابية في محيط قاعدة التنف التي تحولت إلى قاعدة لتدريب الإرهاب وتفريخه، مما يشكل خطرا على كل سوريا وعلى العاصمة دمشق، وعلى طرق المواصلات البرية والجوية التي تربط سوريا بالعراق على وجه التحديد، عدا عن دعم واشنطن للانفصاليين من ميليشيا قسد في الجزيرة السورية ومحاولاتها لتقسيم سوريا من خلال ما يسمى إدارة ذاتية شرق الفرات، وهذا يتعارض كليا مع الدستور السوري ومع قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو لوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.
ولا تكتفي واشنطن بالاحتلال والضغوط الاقتصادية، بل تمارس عدوانا شرسا على كل مشروع أو قرار أو قضية يمكن أن تساعد سوريا لتجاوز مشاكلها وحل أزمتها. فهي تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار يدين الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وتعمل على تكريس احتلالها عبر هيمنتها على المنظمات الدولية لتشويه صورة سوريا، وبخاصة عبر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي ومجلس حقوق الإنسان في جنيف. كما ترفض واشنطن الحوار مع سوريا وتستخدم سياسة فرق تسد من أجل ضرب المجتمع السوري. فهي تعرقل الجهود الروسية الإيرانية المشتركة عبر منصة أستانا لإيجاد حلول للأزمة السورية، وترفض المشاركة فيها وتستخدم المعارضة السورية لمنع أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية، وتعمل على تلميع صورة الإرهابي أبو محمد الجولاني بصفته داعية للسلام رغم أن مجلس الأمن الدولي يصنف منظمته هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقا بالإرهابية. ولا تتوقف واشنطن عن التهديد بفرض العقوبات على الأشخاص والشركات السورية، وذلك لإطالة أمد الأزمة والحرب ومنع أي تقدم ولو جزئي باتجاه الحل السياسي.
لا يمكن حصر التحديات التي تواجه سوريا بالعامل الأمريكي لوحده، رغم أن هذا العامل هو الأساس وهو العامل الحاسم والرئيسي في معاناة الشعب السوري. ولكن ثمة عامل آخر وهو الموقف الأوروبي الملحق بالموقف الأمريكي والاحتلال التركي لأجزاء من الأراضي السورية، حيث فشل نظام أردوغان بتنفيذ تعهداته خلال جولات المباحثات على مدى السنوات الماضية في إخلاء إدلب من الإرهاب. ورغم وجود بوادر وإشارات إيجابية لاحتمال الانسحاب التركي، إلا أن واشنطن والناتو والاتحاد الأوروبي لا يريدون أي حل للأزمة في سوريا، وهم يحاولون الانتقام من الحكومة السورية ومن الرئيس بشار الأسد ومن روسيا وإيران بعد هزيمة الإرهاب ومشروع ما يسمى الربيع العربي بعد حرب لا تزال متواصلة منذ 13 عاما.
تحاول سوريا اليوم عبر تغييرات أساسية حزبية وحكومية وعبر انتخابات مجلس الشعب المقررة في الخامس عشر من تموز القادم، وعبر العمل على زيادة الإنتاج ووضع خطط عملية للنهوض بالزراعة وعلى المشاريع الصغيرة والاعتماد على الذات ومحاربة الفساد والتقليل من الهدر، تحاول فتح الأبواب والثغرات في كل الاتجاهات لتخفيف الأعباء والضغوط الأمريكية والغربية بالتعاون مع حلفائها في موسكو وبكين وطهران، وعبر الانفتاح من جديد على الخليج العربي وبخاصة السعودية التي أعادت تعيين سفير لها في دمشق مؤخرا ونقلت ملف الحجاج السوريين إلى الحكومة السورية بعد 12 عام من تسليم هذا الملف إلى الائتلاف السوري المعارض. وكل هذه الخطوات والمبادرات بدأ المواطن السوري العادي يلمسها، لعل وعسى تؤدي إلى نتائج ملموسة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا.