رغم التحذيرات الأمريكية لكيان الاحتلال الإسرائيلي من خطورة فتح جبهة جديدة مع حزب الله في لبنان بالإضافة إلى مواصلة العدوان على غزة، إلا أن حكومة الاحتلال تجاهلت هذه التحذيرات وراحت تروج لخطط لاجتياح إسرائيلي محدود لجنوب لبنان لفرض أمر واقع وإجبار المقاومة اللبنانية على الانسحاب لمسافة عشرة كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة. ولكن إذا بدأت الحرب فلا أحد يستطيع أن يقدر حدودها وتوسعها إلى حرب إقليمية شاملة، وهذا ما تخشاه إدارة بايدن التي تسعى لإخراج إسرائيل من مأزقها المستمر منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول عام 2023 وتأمين مناخات مناسبة لسير الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفق برنامج يخدم الرئيس جو بايدن. ولهذه الغاية، تستمر المشاورات والاتصالات الإسرائيلية الأمريكية على أعلى المستويات. يزور وزير الحرب الإسرائيلي واشنطن ويلتقي مع نظيره الأمريكي لبحث موضوع اليوم التالي لوقف الحرب في غزة وموضوع التصعيد الواسع بين إسرائيل وحزب الله. وقبل ذلك، زار رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي واشنطن وأجرى مشاورات مستفيضة مع المسؤولين الأمريكيين حول هذه المسائل المعقدة. وزيارات المسؤولين المقربين من نتنياهو تبدو محاولة لترميم العلاقات المتوترة بين نتنياهو وبايدن خاصة بعد أن هاجم نتنياهو الولايات المتحدة والرئيس بايدن في أعقاب إعلان الولايات المتحدة تقنين وحظر الأسلحة لإسرائيل بدعوى منع توسيع الحرب في غزة إلى حرب إقليمية. وقد اعتبرت واشنطن تصريحات نتنياهو وهجومه على بايدن مخيبة للآمال.
يبدو أن تركيز وسائل الإعلام الأمريكية على تقنين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن صفقات السلاح المرسلة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي لممارسة الضغط على حكومة الاحتلال لإيقاف حربها على قطاع غزة يتناقض مع ما يحصل على أرض الواقع تماماً، حيث لا تكتفي واشنطن بإرسال أحدث الأسلحة إلى الكيان بل تشارك في العدوان على قطاع غزة براً وجواً وبحراً واستخباراتياً.
ولا شك أن زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى واشنطن والتي تتزامن مع تصعيد اللهجة الهجومية ضد حزب الله اللبناني والتهويل بشن حرب واسعة الهدف منها كما يرى محللون صهاينة هو التحضير لمفاوضات بين لبنان وكيان الاحتلال بعد وقف القتال في غزة، لأن المقاومة اللبنانية أكدت منذ بدء العدوان على غزة قبل تسعة أشهر أنها جبهة دعم ومساندة وأن عملياتها مضبوطة ومحسوبة وضمن نطاق جغرافي محدد، وأنها ستوقف هجماتها على الجليل فور إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي ضوء التعنت الذي يبديه رئيس حكومة الاحتلال ووزير حربه ورئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل بالنسبة للجبهة اللبنانية وما نتج عن عمليات المقاومة من تهجير لمئات آلاف المستوطنين الصهاينة وترك مستوطناتهم في الجليل والتهديد بالتصعيد، فقد أرسلت واشنطن على وجه السرعة المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان حيث أجرى مباحثات مكوكية مع المسؤولين اللبنانيين ومع حكومة نتنياهو، إلا أن نتائج هذه المباحثات لم تغير من حالة التصعيد الشديدة بين الجانبين. وتزامنت زيارة المبعوث الأمريكي ومباحثاته مع خطاب ناري وغير مسبوق ألقاه الأمين العام لحزب الله، توعد خلاله إسرائيل بتدمير مناطق واسعة فيها. وقال إنه إذا فرضت الحرب على لبنان فإن المقاومة ستقاتل بدون ضوابط وبدون قواعد. وسبق خطاب نصر الله تصعيد عسكري كبير على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، وأعلن حزب الله عن رسالة الهدهد، وهي طائرة مسيرة قامت بتصوير فيديو داخل كيان الاحتلال يتضمن صوراً لعدد كبير من المواقع العسكرية والمدنية الحساسة داخل إسرائيل والتي أعلنت المقاومة اللبنانية أنها ستدمرها في حال قيام إسرائيل بعدوان، حتى لو كان محدوداً.
في هذه الأثناء، فإن المقاومة اللبنانية تتعامل مع التهديدات الإسرائيلية والخطط التي أعلنت عنها حكومة نتنياهو لاجتياح الجنوب بجدية كاملة، وهي تعد العدة لأي تصعيد إسرائيلي محتمل. وتشير المصادر الإعلامية إلى أن إيران تقوم بتدريب المقاومة في اليمن والعراق من أجل أن تكون جبهات مساندة وداعمة في حال قيام إسرائيل بتنفيذ تهديداتها باجتياح الجنوب خلال الصيف.
التكهنات حول احتمالات الحرب واسعة ومتعددة ولكن ثمة اتفاق على أنه لا حرب واسعة رغم كل التهويل والتهديد والوعيد من قبل حكومة نتنياهو المتطرفة. وأن التصعيد هو استباق لتسوية كبرى في المنطقة. ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي يتسحاق بريك أن أي اجتياح إسرائيلي لمناطق الجنوب اللبناني هو انتحار، فيما يؤكد خبير آخر أن الحرب تعني أن على إسرائيل أن تجهز النعوش لدفن جماعي في حال اندلاع الحرب مع حزب الله. وخلاصة القول إن الحرب الشاملة مستبعدة لأن واشنطن لا تريدها وهي لا تخدم مصالحها، ولكن علينا أن نقر ونعترف بأن الحرب بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل مستمرة منذ عملية طوفان الأقصى، وأن هذه الحرب التي بدأت في تموز عام 2006 بهدف القضاء على حزب الله هي اليوم مستمرة أيضاً للقضاء على حركة حماس. وكما ضاعف حزب الله قوته بعد حرب تموز أضعافاً مضاعفة ما كانت عليه، فإن المراقبين يرون أن حماس ستخرج من الحرب ولن تتمكن إسرائيل من القضاء عليها.