انتخابات مجلس الشعب المقررة في الخامس عشر من تموز القادم هي امتحان آخر لقوة الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية والأهلية، وهي اختبار للأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية المتنافسة مع المستقلين. كما تعد الانتخابات جسراً لتقوية وتمتين الوحدة الوطنية والهوية القومية التي اتسمت بها سورية وحافظت عليها رغم الحرب الطويلة.
لا شك أن النقابات المهنية والاتحادات في سورية، كاتحاد الفلاحين واتحاد العمال واتحاد الكتاب واتحاد الطلبة ونقابات المهندسين والمحامين والصحفيين والأطباء والمعلمين والحرفيين، بالإضافة إلى غرف التجارة والصناعة في العاصمة دمشق والمحافظات، شكلت كهيئات ومنظمات أهلية ممثلة في اللجنة الدستورية المنبثقة عن اجتماعات أستانا وسوتشي، بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومة والمعارضات، دعائم وركائز أساسية للدولة السورية. استطاعت هذه الهياكل وهذه النقابات أن تحمي سورية وتنوعها وتحافظ على الهوية الوطنية والقومية، وتكرس مجلس الشعب كمؤسسة وطنية تعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوري، وتضع قوانينه وتراقب عمل الحكومة وتحافظ على وحدة البلاد وسيادتها.
بانتظار الانتهاء من الانتخابات الحزبية الداخلية لتشكيل قوائم الوحدة الوطنية التي ستخوض الانتخابات وتتنافس مع لوائح المستقلين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية والتجارية والصناعية وأصحاب الشركات ورأس المال، ومن المتوقع أن تضم القوائم المرشحين عن أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” التي تضم الأحزاب الوطنية والقومية وعلى رأسها حزب البعث الحاكم.
انتخابات مجلس الشعب، التي تشارك فيها الأحزاب الوطنية والقومية كحزب البعث العربي الاشتراكي الحزب الحاكم، والحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة الاشتراكيين العرب والقوميين والناصريين، وحزب العهد، وغيرها من الحركات التي تشكل بمجموعها جبهة واحدة مناهضة للإرهاب، هي انتخابات مصيرية تؤسس لمرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد الحرب. وتشير الترشيحات من الشخصيات الحزبية والنقابية والإعلامية والأدبية بوضوح إلى تنامي الإحساس بالمسؤولية الوطنية لدى غالبية الشعب السوري الذي يواجه الحصار والعقوبات الأحادية بالمزيد من التشبث بهويته وخياراته الوطنية ويرفض الانجرار خلف السياسات الاستعمارية الغربية الهدامة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى ضرب الهوية القومية والوطنية لسورية.
بانتظار تشكيلة لوائح الوحدة الوطنية بعد الانتهاء من مرحلة الانتخابات داخل الأحزاب المشاركة في الانتخابات وإطلاق الحملات الانتخابية، فإن الترشيحات لمجلس الشعب تشير بوضوح إلى مشاركة واسعة للمنظمات والاتحادات، وبخاصة من جانب الإعلاميين والكتاب والصحفيين والعمال والفلاحين، حيث أن معظم رؤساء المنظمات هم من المرشحين البارزين لعضوية مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع.
إن الانتخابات التشريعية بهذا المعنى وبهذا الزخم والمشاركة تعني أن سورية أمام تحديات جديدة، وأن المسؤولية على قدر التحدي. أعضاء مجلس الشعب المفترض أنهم يمثلون أماني وآمال الشرائح العريضة من المجتمع ينتظرهم اختبار كبير، فالفوز بعضوية مجلس الشعب يحتاج إلى الكثير من السمات والميزات، وإلى الكثير من المؤهلات، وإلى الكثير من التمتع بالمسؤولية والكفاءة والحس الوطني وحمل الهم العام. اجتياز هذه الاختبارات ضمن أطر حزبية وقانونية شفافة يخفف قدر الإمكان من استخدام المال السياسي. فالطريق إلى المجلس عن طريق لوائح الوحدة الوطنية يختلف جذرياً عن الطريق التي يسلكها المستقلون، والذين يشكلون نسبة كبيرة من أعضاء المجلس الـ250 ويفرضون حالة من المنافسة على الجبهويين، حيث يبرز المال والكفاءة العالية والبرامج الانتخابية. تظهر المنافسة خاصة في العاصمة التي ستشهد معارك حامية بالنظر إلى الشخصيات التي أعلنت ترشحها، حيث تظهر الترشيحات من العنصر النسائي إصراراً كبيراً من المرأة السورية على الحضور بقوة تحت القبة البرلمانية وإثبات جدارتها في وضع القوانين للمجتمع وفي رقابة الحكومة وعملها.
يحيى كوسا