عندما تمر في شوارع العاصمة دمشق، فإنك إلى الآن، وقبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية المقررة في الخامس عشر من تموز، لن تجد أي لافتة أو شعار أو دعاية انتخابية أو صورة أو أي إشارة أو رمز انتخابي، فالجميع يترقب وينتظر. وربما يحاول بعض المرشحين كسر هذا الجمود عن طريق نشر صورة أو إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي بانتظار احتدام المنافسة بين آلاف المرشحين من مختلف الفئات من الذكور والإناث، حيث تسجل المرأة في سوريا حضورا استثنائيا في عضوية مجلس الشعب خلال دوراته الماضية والحالية ترشيحا وانتخابا.
ولا شك أن الجميع ينتظر صدور اللوائح الحزبية، وبخاصة اللائحة التي سيصدرها حزب البعث الحاكم الذي أنهى الاستئناس الحزبي في معظم المحافظات لاختيار مرشحيه إلى انتخابات الخامس عشر من تموز القادم، حيث يمثل الانتخاب الحزبي الداخلي انتخابات محدودة وضيقة وهامة تسبق الانتخابات التشريعية العامة الواسعة، حيث يتم دفع المرشحين الذين يحصلون على أعلى الأصوات داخل تنظيماتهم وأحزابهم (بعثي، شيوعي، قومي، وطني، اشتراكي، ناصري…) قبل أن يتم دفعهم لخوض الانتخابات التشريعية والتنافس مع المرشحين الآخرين من المستقلين، مع أن الكثير من الحزبيين مصممين على خوض الانتخابات كمستقلين من خارج اللوائح الحزبية.
وقد شهدت الانتخابات الحزبية هذا العام اهتماما على مستوى الشارع السوري أكثر من كل الانتخابات في الدورات الماضية بالنظر إلى التغيرات الواسعة التي أفرزتها انتخابات اللجنة المركزية الأخيرة لحزب البعث، حيث تم تغيير كامل أعضاء القيادة. كما كان لافتا في الاستئناس الحزبي داخل حزب البعث الحاكم أن الإعلاميين حققوا نسبة حضور لافتة خلال الانتخابات الحزبية الجزئية قبل الانتخابات العامة وفازوا في عدد من المحافظات عن دوائرهم الانتخابية. وبانتظار صدور اللوائح الحزبية التي تسمى لوائح الوحدة الوطنية، ليس بالضرورة أن يرشح الحزب إلى الانتخابات جميع الفائزين في الاستئناس الحزبي.
في وقت يدخل المرشحون المستقلون الانتخابات بزخم كبير، وهم يستفيدون من المناخات والأجواء التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سوريا، حيث يتقدم رجال الأعمال والتجار والصناعيين وأصحاب الأموال والفعاليات الاقتصادية لوائح الترشيح. وهذا الوضع يحد من قدرة الشرائح الفقيرة على ترشيح أبنائها لخوض الانتخابات التي تحتاج إلى حملات انتخابية وإلى برامج وأنشطة وفعاليات، وذلك يحتاج نفقات لا يستطيع أي مرشح تحملها. إلا أن اللجان القضائية في دمشق والمحافظات واللجنة الانتخابية العليا تحاول جاهدة تشجيع الجميع على الترشح وهي تضع ضوابط معينة لمصاريف الانتخابات وتحد قدر المستطاع من هيمنة المال على سير الانتخابات، ووضع ضوابط صارمة على المرشح للتقيد بها.
وبانتظار انطلاق الحملات الانتخابية للمرشحين، فإن من المؤكد أن موضوع مكافحة الإرهاب في سوريا سيكون له الأولوية، لأن الوضع الأمني، رغم كل الضغوط الاقتصادية، لا يزال يطغى على ما عداه ويحتل الأولوية لدى المواطن السوري الذي عانى طويلا من الإرهاب. فقضية الإرهاب تعد قضية بحد ذاتها، وموقف المرشحين من قضية الإرهاب وتعزيز الوحدة الوطنية من أهم العناصر التي تحدد اتجاهات الناخبين وتوجه اختياراتهم. فلا مجال للمناورة أو المداورة اليوم، فإما أن تكون مع الإرهاب أو ضده. وهذا الواقع يعطي أهمية لانتخابات الخامس عشر من تموز، لأن معظم أبناء الشعب السوري ذاقوا الأمرين جراء الحرب الإرهابية وهم يتوجهون إلى صناديق الانتخابات ليس لشيء إلا لتغيير الواقع ونبذ الإرهاب وإنهاء هذه الآفة الخطيرة ومحاربتها، ومحاربة كل المظاهر التي أفرزتها الأزمة كالغلاء والمخدرات وتفشي الفساد والجريمة ووقف الهجرة إلى الخارج وزيادة الإنتاج الوطني والدخل القومي.
ولا شك أن أمن الإنسان وسلامته وإيجاد مجتمع مستقر ومناخ ملائم للعمل هو أولوية بالنسبة للحكومة والمجتمع السوري بعد 13 عاما من الإرهاب المنظم المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى. وهي تحاول التشويش على الانتخابات بإطلاق أدواتها من الجماعات الإرهابية، وبخاصة تنظيم داعش في البادية وتنظيم جبهة النصرة المسمى هيئة تحرير الشام في إدلب. وهذه المجموعات تأتمر بأوامر أمريكية ويقوم جنود الاحتلال بتدريب عناصرها في قاعدة التنف غير الشرعية على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، وفي قواعد الاحتلال غير الشرعية في الجزيرة السورية التي تسيطر على أجزاء منها ميليشيا قسد المدعومة من الاحتلال الأمريكي والتي تحاول منع إجراء الانتخابات في الحسكة والقامشلي ومناطق كثيرة.
بعد أن أفشلت الدولة السورية والمقاومة الشعبية خطط المحتل الأمريكي وميليشيا قسد لإجراء ما يسمى انتخابات للإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق سوريا، تم إلغاء هذه الانتخابات لأنها تعد انتقاصا وانتهاكا للسيادة الوطنية وتعبر عن إرادة المحتل التركي وليس عن إرادة الشعب السوري. فالولايات المتحدة لا تريد أن ترى سوريا سيدة حرة مستقلة تعود إلى حياتها الطبيعية، بل تريدها مهدمة وبؤرة للإرهاب لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل والدول الغربية الاستعمارية.
إلا أنه في العرف السياسي والاجتماعي، فإنه بمجرد إجراء الانتخابات التشريعية، وهي الانتخابات الثالثة خلال الأزمة، فإن هذا يؤكد أن الدولة السورية نجحت في ضرب التدخلات الخارجية ونجحت في ترسيخ وحدتها الوطنية، والتي جاءت هزيمة الإرهاب كثمرة من ثمار هذه الوحدة. وهذا هو الرهان الذي تراهن عليه سوريا بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد والدول الحليفة الداعمة لسوريا منذ البداية باعتباره خطوة هامة للخروج من نفق الأزمة.
فالانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء مجلس الشعب بحرية وشفافية ونزاهة وبإشراف قضائي وقانوني بما يمثل تطلعات وآمال الشعب السوري هي خطوة هامة على طريق الحل السياسي للأزمة في سوريا. ومن شأنها تسريع الخطوات الانفتاحية العربية والإقليمية السياسية على سوريا، وتسريع المصالحات الوطنية في مختلف المناطق، والحد من الهجرة إلى الخارج. ولا شك أن النجاح في اختيار مجلس الشعب بمشاركة وطنية وشعبية واسعة يكفل معالجة كل المشكلات والأزمات ويضع الحلول السياسية والاقتصادية التي تعاني منها سوريا على السكة الصحيحة.
إن تجربة اختيار أعضاء مجلس الشعب الـ 250 ليست تجربة حديثة أو جديدة في سوريا التي تمتلك تجربة وقاعدة تشريعية عميقة وراسخة في تاريخها. لدى سوريا تجربة ديمقراطية منذ عقود طويلة وكانت من أوائل الدول في العالم الثالث التي حصلت على الاستقلال ومن أوائل الدول التي لديها تقاليد برلمانية وانتخابات حرة. ويشهد التاريخ على ذلك، فقد أجريت في عهد الحكومات الوطنية في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي انتخابات حرة. وكان النواب السوريون عندما يقومون بزيارات إلى الدول العربية كان المواطنون في تلك الدول يستقبلونهم برش الرز والورود عليهم لأنهم منتخبون من الشعب.
يحيى كوسا
المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط