في حديث لشبكة شام نيوز إنفو على هواء إذاعة ميلودي إف إم، استعرض المحلل السياسي الأستاذ مصطفى المقداد، نائب رئيس اتحاد الصحفيين، السياسات المعقدة والمتشابكة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. يوضح المقداد كيف يتجلى الطموح العثماني في نهج أردوغان السياسي وكيف يجمع بين التعاون والتنافس مع مختلف القوى العالمية والإقليمية.
أكد المقداد أن الاختلافات بين البلدان طبيعية، حيث تسعى الدول القوية دائماً لتوسيع نفوذها. وتركيا ليست استثناء، فقد شهدت تاريخياً توترات ونزاعات متعددة. وأوضح المقداد أن أردوغان يمثل نموذجاً للسياسي الذي يحمل نزعة عثمانية، معتمداً على النظريات الميكيافيلية التي تبرر الوسائل لتحقيق الغايات. فبينما يقيم أردوغان علاقات جيدة مع روسيا، فإنه يدعم أوكرانيا ويقدم لها كل أشكال الدعم الممكنة، مستفيداً منها اقتصادياً وجني أرباح كبيرة لبلده. وينتهج نفس السياسة تجاه إيران، حيث يقيم علاقات طيبة مع طهران، وفي الوقت نفسه يقيم علاقات جيدة مع السعودية رغم الخلافات حول زعامة العالم الإسلامي. وأكد المقداد أن الجغرافيا بين الدول تلعب دوراً هاماً في رسم السياسات.
لدى سؤاله عن أسباب وصف أردوغان بالذكاء السياسي، اعتبر المقداد أن من يستطيع بناء تاريخ سياسي له من مقدمات بسيطة والارتقاء بها، كما فعل أردوغان منذ كان رئيساً لبلدية إسطنبول، يستحق هذا الوصف. فقد استفاد أردوغان من المساعدات الأمريكية كحليف لواشنطن واستطاع تنفيذ أجنداته الخاصة بطريقته الخاصة من خلال تلاقي مشروعه مع المشروع الأمريكي باعتبار تركيا عضواً في الناتو. وأشار المقداد إلى أن أردوغان اتخذ مواقف تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة رغم عضوية تركيا في حلف الناتو، مثل الهجوم الكبير ضد أمريكا لاستضافتها الداعية التركي فتح الله كولن، الذي يتهمه أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. وبعد تلك المحاولة، تدهورت العلاقات مع واشنطن. واليوم، يحارب أردوغان حزب العمال الكردستاني المدعوم من أمريكا، لكنه يحاول مد يده للأكراد في تركيا لاحتوائهم، مما يعكس ذكاءه السياسي.
استفادت تركيا من انعطافة أردوغان وما خلقته من صدامات بين الجيش التركي والتنظيمات الإرهابية. وأكد المقداد أن الحوار لم ينقطع بين البلدين، وأردوغان صنع الكثير من المنكرات، لكنه اليوم يمد يده للسلام. لا شك أن أردوغان ترك تأثيرات سلبية في نفوس السوريين بسبب دعمه للإرهاب واستباقه الحالة العدوانية ضد سوريا ببناء المخيمات في الأراضي التركية قبل تنفيذ المؤامرة الكبيرة الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية. رغم ذلك، يمتلك أردوغان قدرة كبيرة على التكيف، وتصريحاته الكثيرة تؤكد ذلك. فعندما التقى بالرئيس بوتين في سوتشي عام 2017، أعلن أنه سينفذ الاتفاقات لفتح الطرق والتخلي عن دعم الإرهاب. لكن التطورات الميدانية حالت دون ذلك، حيث سيطرت هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني على إدلب وطردت التنظيمات الأخرى، مما أدى إلى انهيار المشروع التركي في المنطقة.
أوضح المقداد أن لدى أردوغان مشروعه الخاص منذ 2010، حيث ارتبط بجماعات الإخوان في ليبيا والسودان وتونس ومصر، وامتد إلى قطر وكان له قاعدة عسكرية في السودان. وأكد أن الحرب الإرهابية على سوريا كانت تهدف إلى خلق واقع جديد في المنطقة يخدم مشروع أردوغان والمخطط الأمريكي، لكنها فشلت.
ما يسرع التوصل إلى تفاهمات بين سوريا وتركيا هو القضية الكردية، حيث ينتمي جزء من الأكراد إلى حزب العمال الكردستاني. وأشار المقداد إلى أن المجموعات الكردية لا تختلف عن بقية المجموعات الإرهابية، واليوم الوجود الأمريكي والقواعد الأمريكية غيّرت المعادلات. كما أشار إلى البيان الذي أصدرته ميليشيا قسد خلال الأيام الماضية، والذي يظهر بوضوح أن هذه الميليشيا مع سوريا ومع الوحدة، وذلك بعد الأجواء الإيجابية التي سادت بين دمشق وأنقرة. وربط المقداد هذا التحول بالموقف الأمريكي من هذه المجموعات، حيث لم تُبدِ واشنطن موقفاً من مسألة التقارب السوري التركي، مما أخاف ميليشيا قسد.
تحدث المقداد عن الانفصاليين الأكراد القادمين من جبال قنديل وتركيا، والذين ليس لهم أرضية في سوريا، حيث يتلقى الأكراد السوريون تعليمهم في دمشق وحلب ويدخلون المستشفيات السورية وهم بعيدون عن المشروع الانفصالي.
فيما يتعلق بالإرهابيين الأجانب، أكد المقداد أن المصالحات في سوريا تشمل إرسال الإرهابيين بالباصات الخضراء إلى دولهم، والدول الأوروبية تتملص من هذا الموضوع. وأشار إلى أن حالة العداء الأوروبية للاجئين هي حالة مسيسة، وأن بين سوريا وتركيا جغرافيا مشتركة وتاريخ طويل. واختتم المقداد بالدعوة إلى تعويض سوريا ومنحها دعماً مالياً لإعادة اللاجئين وإعادة البناء، مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى زمن لتحقيقه.