يتغير الخطاب الأوكراني بين ليلة وضحاها. فالمرسوم الذي أصدره زيلينسكي بمنع التفاوض مع روسيا في عهد بايدن لن يكون له معنى إذا فاز ترامب في الانتخابات القادمة. ومع أنه من المبكر الحديث عن الخاسر والفائز في الانتخابات الأمريكية، إلا أن الأزمة في أوكرانيا مرتبطة بشكل وثيق بهذه الانتخابات، حيث يصر بايدن على مواصلة الحرب حتى آخر جندي أوكراني، فيما أعلن ترامب خلال حملته الانتخابية أكثر من مرة أنه سيعمل على وقف الحرب في أوكرانيا.
لابد ونحن نتناول الانتخابات الأمريكية والحملات الانتخابية التي تحولت إلى معارك وصراعات داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من أن نتذكر أن استطلاعات الرأي خلال انتخابات 2016، التي كان يتنافس فيها المرشحان هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، كانت تمنح دائماً هيلاري الأفضلية. ولكن صباح يوم الانتخابات بدأت الأرقام والأحوال تتغير، وفاز ترامب في ذلك السباق وسط صدمة ودهشة الجمهور والرأي العام.
واليوم، وقبل مئة يوم من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر القادم، فإن استطلاعات الرأي لن يكون لها هذا التأثير الحاسم وفق التجارب السابقة. فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب في ولايته الثانية لن يكون كالولاية الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. الوقت ربما لا يسمح للناخب الأمريكي لكي يتعرف جيداً على برنامجها الانتخابي، وهو بالتأكيد لن يتطابق مع برنامج سلفها بايدن. عدا عن كونها تفتقر إلى الخبرة السياسية في الملفات الدولية الشائكة التي تنخرط فيها الولايات المتحدة، مثل الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن المعركة الانتخابية بين المرشحين ترامب وهاريس لن تكون كالحملات الانتخابية في الدورات السابقة. فالشخصيات التي تدخل السباق إشكالية أكثر من أي انتخابات أخرى، ومع أن التباينات والخلافات حول الملفات الداخلية مثل الإجهاض والمهاجرين والاقتصاد والضرائب ليست كبيرة بين الحزبين وتبدو ضيقة، إلا أن العامل الخارجي ربما يلعب دوراً أكبر هذه المرة. فالدور الأمريكي في السياسة الدولية ومكانة أمريكا في خضم الصراع الدولي، الذي يتم فرضه جراء التحالف بين روسيا والصين، سيفرض نفسه على الناخب الأمريكي.
ولابد من الإشارة إلى أن الخلافات الواسعة حول مقاربة الأزمة في أوكرانيا بين الحزبين ستكتسب أهمية قصوى في الخامس من نوفمبر القادم. لأن كل المفاهيم تسقط اليوم، وحكاية البطة العرجاء خلال هذه الانتخابات ليس لها وجود. والدليل أن نتنياهو سيلقي كلمة في الكونغرس وسيلتقي الرئيس بايدن. وقد شهدنا قمة الناتو في واشنطن قبل أيام، وهذا يشير إلى أن الإدارة الأمريكية منخرطة حتى العظم في العديد من الملفات الدولية وليست بطة عرجاء. وأن المعركة الانتخابية لم تمنع الرئيس من اتخاذ القرارات القاسية كما حصل في قمة الناتو، والتي أدت قراراتها إلى إشعال جبهات القتال من جديد في أوكرانيا وشجعت رئيس النظام في كييف، زيلينسكي، على مواصلة القتال بدلاً من إيقاف المعركة التي تتكبد فيها أوكرانيا خسائر مادية وبشرية فادحة دون طائل ودون أهداف، فيما تقترب روسيا من تحقيق كامل أهدافها وهي استعادة الأراضي الروسية ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا علقت على تصريحات زيلينسكي حول ضرورة إنهاء الأزمة الأوكرانية بأسرع وقت ممكن، واعتبرت أن هذه التصريحات لرئيس نظام كييف مرتبطة بسير الانتخابات في الولايات المتحدة.
وقالت زاخاروفا في حديث لإذاعة سبوتنيك: “يرتبط هذا الخطاب مرة أخرى بالدورات الانتخابية في الولايات المتحدة. الإشارات التي يرسلها مكتب زيلينسكي تأتي على خلفية ما يحدث في البيت الأبيض والانتخابات الأمريكية المقبلة”، مشيرة إلى أن تصريحات زيلينسكي “تندرج في سياق الأخبار السياسية في الولايات المتحدة من أجل التذكير بنفسه في مكان ما وتسول المزيد من المال ووضع أساس للمستقبل في مكان ما”.
ولفتت زاخاروفا إلى أن “الحديث عن صدق زيلينسكي ليس مضحكاً فحسب، بل غير منطقي. فهو لم يخن مواطني أوكرانيا فحسب، بل خان فريقه المباشر بأكمله، أي كل الذين أوصلوه إلى السلطة وكانوا معه حتى هذه اللحظة”.
وقال زيلينسكي المنتهية ولايته: إنه يدرك ضرورة إنهاء الأزمة الأوكرانية بأسرع وقت ممكن، معلناً في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية /بي بي سي/ إمكانية إجراء مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم المرسوم الذي أصدره ويحظر التفاوض مع روسيا.
حملة ترامب الانتخابية بدأت هجومها على هاريس لحرمانها من التصرف بالأموال التي جمعتها حملة جو بايدن قبل أن ينسحب من السباق إلى البيت الأبيض. وتقدمت حملة ترامب بشكوى إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية، على اعتبار أن نائبة الرئيس الحالي والمرشحة الديمقراطية الرئاسية كامالا هاريس لا تملك الحق في التصرف بالأموال المدخرة في “حصّالة” حملة بايدن قبل انسحابه. وتحاول حملة ترامب منع تحويل الأموال من بايدن البالغة 91 مليون دولار إلى حملة هاريس واعتبرت حملة ترامب ذلك اختلاساً سافراً يشكل انتهاكاً لقانون الحملات الانتخابية.
ولم تقتصر حملة ترامب على الهجوم على هاريس لمنعها من الاستفادة من الأموال المتبقية في حملة بايدن، بل إن حملة هاريس تواجه انتقادات مشابهة لتلك التي كانت وسائل الإعلام تتندر بها على بايدن. فزلات اللسان وضحكات هاريس المجلجلة والصاخبة بمناسبة وبغير مناسبة موضع سخرية في وسائل الإعلام المختلفة. ولا شك أن الأموال والمصاريف في الحملات الانتخابية تلعب دوراً محورياً وأساسياً في كسب الناخبين. ومن هنا فإن تصويب حملة ترامب على هذا الجانب سيضعف حملة هاريس في وقت تزداد الانتقادات لإدارة بايدن التي خصصت أكثر من 200 مليار دولار لمواصلة الحرب في أوكرانيا. كما أنها أعلنت خلال قمة الناتو في واشنطن عن 40 مليار دولار جديدة كمساعدات عسكرية لنظام كييف، عدا عن خمسين مليار من عائدات فوائد الأموال الروسية المجمدة في أوروبا. وهذه الأموال في حال توقفت الحرب في أوكرانيا ستتحول إلى مشاريع للتنمية في أوروبا المنقسمة على نفسها كما هو الحال في أمريكا. الكثير من الدول الأوروبية، عدا عن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تريد وقف الحرب. زيارة فيكتور أوربان رئيس وزراء هنغاريا التي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي إلى موسكو وبكين تشير إلى أن كفة السلام في أوروبا أصبحت ترجح على كفة الحرب. الجميع سيبقى في حالة انتظار حتى موعد الانتخابات الأمريكية وصدور النتائج. وربما ستستمر الحرب لحين خروج بايدن من البيت الأبيض، وتلك أسوأ الاحتمالات.