قمة سورية روسيا هامة تتزامن مع حلول الذكرى الثمانين لإقامة العلاقات بين دمشق وموسكو…. الرئيس بوتين يحذر من تداعيات التصعيد في المنطقة وينتظر أكثر لإنضاج اللقاء المرتقب بين الأسد وأردوغان
بعد أسبوع من اللقاءات الاحتفالية بين المسؤولين السوريين والروس بمناسبة مرور ثمانين عامًا على إقامة العلاقات السورية الروسية في الواحد والعشرين من تموز عام 1944، توج الرئيسان بشار الأسد وفلاديمير بوتين الاحتفالية والنشاطات والفعاليات المتعددة في كل من دمشق وموسكو بلقاء في الكرملين، حيث أجرى الرئيس الأسد زيارة عمل إلى روسيا التقى خلالها الرئيس بوتين وبحث معه مجمل جوانب العلاقات بين البلدين، كما بحث الوضع في منطقة الشرق الأوسط والتطورات المتسارعة التي تعيشها، وجوانب التنسيق المشترك للتعامل معها.
ومع أن وسائل الإعلام المختلفة تناولت القمة التي جمعت في الكرملين الرئيسين الأسد وبوتين من واقع الجهود الكبيرة التي تبذلها روسيا لتحسين العلاقات بين سورية وتركيا وتجاهلت ما عداها من مواضيع كثيرة تشغل كل من دمشق وموسكو وفي مقدمة هذه الموضوعات التوترات والتصعيد في الحرب على غزة واحتمالات توسيع الحرب باتجاه الجبهة اللبنانية الأمر الذي يتطلب جهوزية كاملة من سورية لمواجهة هذا الاحتمال، عدا عن احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من الجزيرة السورية بعد شيوع مناخات التقارب السوري التركي وهذا يستوجب وضع خارطة لمستقبل المنطقة وفق هذه الاحتمالات.
ومن الطبيعي في ضوء العمل الذي تقوم به روسيا لتحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة أن تتسع التكهنات حول فحوى اللقاء مع أن ما تم إعلانه عن لقاء الرئيسين الأسد وبوتين يشير بوضوح إلى أن الرئيس الأسد هو من طلب اللقاء وأن العلاقات الثنائية وبخاصة الاقتصادية نالت قسطًا هامًا من البحث فيما ترغب موسكو بأن ترى نتائج جهودها المستمرة منذ أعوام لإعادة العلاقات بين سورية وتركيا تنضج بشكل طبيعي بعد أن يتم تهيئة كامل الظروف والمناخات والمتطلبات المشتركة لتعود كما كانت وأحسن مما كانت عليه.
ولاشك أن المناخات اليوم بين سورية وتركيا أصبحت أفضل مما كانت عليه قبل عامين وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات الأمنية والسياسية والعسكرية على مستوى وزراء الدفاع والخارجية برعاية روسية ومشاركة إيرانية ودعم عربي عراقي وسعودي، والتي كسرت إلى حد كبير الحواجز النفسية وحالة الجمود في العلاقات بين دمشق وأنقرة، كما أن عودة العلاقات العربية مع سورية أعطت دفعًا وحافزًا لتركيا للإسراع بتطبيع العلاقات مع دمشق خاصة وأن الكثير من الدول الأوروبية تسير في ذات الاتجاه، وكانت مشاركة فرق رياضية سورية في أولمبياد باريس إشارة جديدة لهذا المسار الذي يخلق أجواء جيدة بين سورية والدول الأجنبية التي كانت تدعم المعارضة السورية خلال سنوات الحرب.
ومن وسط هذه المناخات والرغبة المشتركة من قبل الرئيسين الأسد وأردوغان لإعادة العلاقات جاءت الشروط السورية على شكل متطلبات لابدّ منها وفي مقدمتها انسحاب قوات الاحتلال التركي وجدولة هذا الانسحاب من الأراضي السورية وإعادة العمل باتفاقية أضنة لعام 1998 ووقف دعم تركيا للجماعات المسلحة في شمال حلب وإخلاء إدلب من الإرهاب، وفي المقابل فإن لدى تركيا الكثير من الهواجس التي تأخذها سورية بعين الاعتبار ومنها فتح المعابر وإعادة اللاجئين والتنسيق المشترك للتعامل مع التحديات التي تعتبرها تركيا تمس بأمنها القومي وفي مقدمتها السعي الأمريكي المستمر لإقامة كيان كردي في الجزيرة السورية من خلال دعم ميليشيا قسد التي تعتبرها أنقرة فصيل من حزب العمال الكردستاني الإرهابي وهي تسرع الخطى باتجاه دمشق من أجل حسم هذا الموضوع وقطع الطريق أمام إقامة هذا الكيان الذي تعتبره معظم دول المنطقة في حال قيامه خطرًا يهدد أمنها القومي وربما خطرًا يوازي خطر إسرائيل في المنطقة.
كل اللقاءات السورية الروسية تبحث في كل القضايا المشتركة خاصة وأن روسيا منخرطة في كل ما يتعلق بتسوية الوضع في سورية سياسيا واقتصاديا وعسكريا بالتنسيق والتعاون مع إيران التي أرسلت قبيل القمة الروسية السورية كبير مستشاري وزير الخارجية علي أصغر خاجي إلى دمشق وقبل تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، حيث التقى المسؤول الإيراني مع الرئيس الأسد في دمشق وتم بحث كل التطورات في المنطقة وموضوع التقارب بين دمشق وأنقرة والتوتر الناتج عن استمرار الحرب العدوانية على غزة.
واللافت في لقاء الرئيسين الأسد وبوتين ليس الشكل فقد كان لقاء الرئيسين طبيعيا ومعتادا دائما بدون مراسم وبروتوكولات لأن الصداقة التي تربط الرئيسين أصبحت تتجاوز كل المراسم والبروتوكولات وهي علاقات ثقة واحترام، وكان اللافت في اللقاء إعلان الرئيس بوتين عن خشيته من مخاطر التوترات في المنطقة على سورية خاصة، وهذا ربما يكون تحذيرًا من احتمالات توسيع الحرب الدائرة في قطاع غزة والتهديدات الإسرائيلية بتوسيعها لتشمل لبنان، وقد أوضحت مصادر خاصة لقناة روسيا اليوم أن الغاية الجوهرية من زيارة العمل التي أجراها السيد الرئيس بشار الأسد كانت البحث المعمق في التطورات السياسية والعسكرية الحاصلة في الشرق الأوسط وما تقتضيه من تبادل للآراء حيال التعامل المشترك مع هذه التطورات.
وذكرت المصادر القريبة من اللقاء بين الرئيسين أن النقاش بينهما حمل توافقاً تاماً حيال توصيف المخاطر القائمة من جهة وحيال التوقعات والاحتمالات المقبلة من جهة أخرى.
وعندما نعرف السبب يبطل العجب، فالقمة اليوم من أولى أولوياتها هو تجاوز هذه المرحلة الصعبة والعمل على تجنيب سورية والمنطقة المزيد من الأزمات والمشكلات الناتجة عن الإجرام الصهيوني والتغول الأمريكي….
القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين في هذا التوقيت تبعث برسائل عديدة أهمها أن المنطقة قادمة على أحداث خطيرة وكبيرة تضيف إلى أحداث ومصاعب السنوات السابقة، ولا بد من توسيع دائرة التنسيق على كل المستويات بين دمشق وموسكو والتمسك بالصداقة التاريخية بين البلدين لمواجهة كل ما يستجد من أخطار وظروف صعبة على المستويين السياسي والاقتصادي والأمني، وفي ذلك برهان ودليل آخر على أن سورية وروسيا ستتجاوزان أي اختبارات أو ظروف صعبة كما حصل في الماضي.
إن تحليل التصريحات المعلنة التي أدلى بها الرئيسان الأسد وبوتين خلال لقائهما تعطينا إجابات واضحة حول اهتمام الرئيسين بتطوير العلاقات في جميع المجالات وبخاصة في المجالات الاقتصادية لجعلها ترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية، وهذا الجانب الاقتصادي يحتل حيزا كبيرا من كل اللقاءات وعلى كل المستويات بين سورية وروسيا، وهذا ما كشفه الرئيس بوتين عندما أكد أن هناك فرصا واعدة للعلاقات التجارية والاقتصادية بين سورية وروسيا.
تبدو المنطقة اليوم أمام مرحلة ضبابية وهذا يحتم على قادة البلدين النظر في قلب هذا الواقع بعين واثقة للمواجهة والتكاتف وتعميق العلاقات أكثر من أي وقت مضى.