نتنياهو يشعل فتيل الحرب مع إيران باغتيال هنية في طهران… وواشنطن تعلن أنها ستدافع عن إسرائيل ولن ترضى هزيمتها أمام المقاومة.
السيناريو الذي شهده العالم في الأول من أيار عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق وقتلت عددا من الخبراء الإيرانيين والمدنيين، وعاشت المنطقة كلها على أعصابها بانتظار الرد الإيراني لغاية الرابع عشر من أيار، هو صورة مصغرة عما يمكن أن يحدث بعد التصعيد الإسرائيلي الخطير وقصف بيروت وطهران واغتيال القادة في المقاومة إسماعيل هنية وفؤاد شكر. فالعالم اليوم ينتظر ما تعده إيران لإسرائيل، والجميع يتذكر ليلة الرابع عشر من أيار الماضي عندما هاجمت إيران لأول مرة كيان الاحتلال الإسرائيلي بعشرات المسيرات والصواريخ الموجهة.
هذا السيناريو يتكرر اليوم بعد حرب الاغتيالات المتنقلة التي شنتها إسرائيل في كل من بيروت وطهران، وينتظر الجميع الرد الإيراني ورد المقاومة في كل من لبنان واليمن والعراق في ظل أجواء دولية معقدة ووسط مناخات من التوتر الشديد تجتاح المنطقة بسبب سياسات نتنياهو المتهورة. ولا شك أن حالة الانتظار تعد بالنسبة لإيران والمقاومة وإبقاء المحتل الإسرائيلي في حالة استنفار وخوف هي جزء من الرد المنتظر، الذي يستدعي وقتا طويلا للتحضير. وربما تكون هذه المدة فرصة للوساطات والدبلوماسية الدولية من أجل منع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة ومدمرة بعد سنوات طويلة من الحروب تحت عنوان الربيع العربي، الذي كان يخدم بالدرجة الأولى إسرائيل ومشروعها الإرهابي في المنطقة.
حرب الاغتيالات هي بالدرجة الأولى محاولة لاغتيال المفاوضات ونسفها وفق رؤية نتنياهو الذي يتجه بالمنطقة والعالم إلى حرب واسعة. أما حجة إسرائيل المفضوحة بأنها اتخذت من قصف الجولان السوري المحتل حجة للتصعيد واتهمت المقاومة اللبنانية بقصف بلدة مجدل شمس، مع أنها تعلم أنه ليس للمقاومة فيما حصل في مجدل شمس لا ناقة ولا جمل، فالمقاومة لا تستهدف في عملياتها العسكرية المدنيين الإسرائيليين، فكيف لنا أن نصدق أنها تستهدف هذه المرة المدنيين السوريين، وبشكل خاص الأطفال؟
لكن إسرائيل تبحث عن وسائل رخيصة للخروج من أزماتها الداخلية التي وصلت إلى إحدى ذراها وبدأت الشروخ تظهر في المجتمع والمؤسسات الإسرائيلية. حرب الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في بيروت وطهران، وقبل ذلك قصف مجدل شمس في الجولان المحتل واتهام المقاومة اللبنانية واستشهاد أطفال الثلاثة عشر، بالتوازي مع قصف الطيران الأمريكي لقواعد الحشد الشعبي في العراق، ليست إلا نتيجة من نتائج زيارة رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن. لم يكن يخفى على أحد، والعالم كان يراقب المشهد، أن تصفيق الكونغرس لنتنياهو خمسا وخمسين مرة كان بمثابة إعلان بالموافقة على كل ما يفعله نتنياهو، مع أنه بالتوصيف الدولي مجرم حرب مطلوب للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية.
عديدة هي الرسائل التي وجهها نتنياهو عبر هذه الاغتيالات للقيادي في المقاومة اللبنانية فؤاد شكر في بيروت، ولرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الذي كان في ضيافة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان بمناسبة تنصيبه رئيسا لإيران. الرسالة الأولى تقول إن إسرائيل قادرة على اغتيال كل من يعاديها وكل من تريد اغتياله، وهي تريد ترهيب المقاومة وقادتها وإخافتهم، مع أن التجارب السابقة تشير إلى أن الاغتيالات كانت تنتج دائما قيادات أشد وأقوى من سابقاتها. فإسرائيل اغتالت خلال العقود الأربعة الماضية 122 قائدا من القادة الفلسطينيين ولا تزال المقاومة الفلسطينية مستمرة وبوتائر عالية.
الرسالة الثانية موجهة بشكل خاص إلى إيران التي هاجمت إسرائيل بشكل غير مسبوق، وقامت 12 دولة بمساعدة إسرائيل لرد الهجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ ليلة 13-14 أيار الماضي. جاء اغتيال هنية ليس انتهاكا لسيادة إيران وإنما لإهانتها. فإذا بالإمام الخميني والرئيس بزشكيان يعلنان بوضوح أنه لا بدّ من الرد وعقاب إسرائيل على جريمتها، وأن الرد سيكون مؤلما وقاسيا أكثر من هجوم 14 أيار الماضي. بالتوازي مع التصعيد الخطير في المنطقة، قام نتنياهو بإيقاف المفاوضات الهادفة إلى إطلاق سراح الأسرى ووقف القتال، وأوعز إلى الوفد الإسرائيلي المفاوض الذي يرأسه رئيس الموساد دافيد برينياع بالعودة من روما، مع أن نتنياهو يعلم علم اليقين الثمن الباهظ الذي سيدفعه جراء التصعيد ووقف المفاوضات.
إيران، التي حولت مراسم تشييع إسماعيل هنية إلى منبر لإرسال المزيد من الرسائل، أعلنت أنها ستدافع عن سيادتها وكرامتها باعتبار أن الشهيد إسماعيل هنية كان ضيفها، وقتله في طهران يعد إمعانا في الاستهانة والاستهتار بكل القيم ويمس شرف الأمة الإيرانية. هذا ما أوضحه أمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله الذي أكد في كلمة له عبر الفيديو خلال تشييع القيادي في الحزب فؤاد شكر أن المقاومة ستواصل إسناد جبهة غزة. وأضاف أن على العدو الإسرائيلي ومن خلفه أن ينتظر ردنا الآتي حتما، إن شاء الله، لا نقاش في ذلك ولا جدل، وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان.
والسؤال، لماذا كل هذا التصعيد؟ هل استعادت إسرائيل قوة الردع؟ وهل حقق نتنياهو أهداف العدوان على غزة؟ وهل توقفت المقاومة؟ وما الجدوى من تجاوز كل الخطوط الحمراء؟ ثمة إجماع على أن نتنياهو يريد أن يزج بالولايات المتحدة في أتون الحرب الدائرة، مع أن واشنطن أعلنت أنها لم تكن تعلم بجريمة اغتيال إسماعيل هنية في طهران. إلا أن الرئيس الضعيف والعجوز، والمنسحب من السباق الرئاسي، اتصل مع نتنياهو وأخبره أن الولايات المتحدة لن تترك إسرائيل وحدها وستدافع عنها ضد أي هجوم إيراني جديد.
المفارقة أن الوساطات الدولية التي بدأت من أوروبا بشكل خاص لا تهدف إلى ردع إيران ومنعها من الرد على اغتيال هنية، وإنما تهدف إلى منع إسرائيل من الرد على الرد الإيراني، كما حصل خلال قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. الجميع يعلم أن إيران سترد ولو بعد حين ولن تتراجع عن قرارها بالانتقام، إلا أن المخاوف تزداد من أن تتدحرج الأمور باتجاه حرب شاملة لا يريدها أحد باستثناء نتنياهو الذي يعمل منذ أشهر على إشعال المنطقة وجر أمريكا للدخول في الحرب بشكل مباشر، الأمر الذي يبقيه في السلطة لأطول وقت ممكن.
ومع أن الولايات المتحدة شريك في سفك الدم الفلسطيني منذ اليوم الأول، وفي المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة والتي أدت إلى أكثر من أربعين ألف شهيد خلال الأشهر العشرة الماضية، فإنها تعلن بشكل يومي أنها لا ترغب بتوسيع الحرب، وتجامل نتنياهو ولا تفعل شيئا لوقف الحرب. في وقت يستغل نتنياهو ضعف إدارة بايدن وظروف الانتخابات الأمريكية والخلافات بين الحزبين، ويستغل التأييد الذي تحظى به إسرائيل في الدولة الأمريكية العميقة ويحاول تجييره لمصالحه الشخصية. وهذا ما كشفه بوضوح المسرحية التي قدمها نتنياهو وأعضاء الكونغرس الأمريكي خلال همروجة التصفيق الكاذبة التي حولت أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى أدوات بيد نتنياهو وإلى ممثلين عن كيان العدو وليس نوابا عن الشعب الأمريكي.
المنطقة كلها اليوم على برميل من البارود، والوساطات الدولية لن تكون محدودة، وإنما ستتحول مع الأيام إلى وساطات مفتوحة ومتعددة من قبل جميع الأطراف. ربما يحتاج العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الصين وروسيا، وربما إلى موقف أقل تطرفا من ألمانيا وفرنسا. وربما يصبح مجلس الأمن ساحة للمشاورات الدولية من أجل منع الحرب الشاملة. والجميع بات يدرك أن أمريكا ستدافع عن إسرائيل، وأنها تعزز قواتها في المنطقة في سوريا والعراق والخليج، باعتبار أن إسرائيل عاجزة بمفردها لأنها كيان صغير قياسًا إلى جبهات المقاومة الممتدة من غزة حتى إيران مرورا باليمن ولبنان والعراق وحتى سوريا. وربما تجد الوساطات الدولية خلال التحضيرات التي تجريها إيران لتنفيذ هجومها الانتقامي على إسرائيل للثأر لدماء القائدين شكر وهنية.
فالرد الإيراني ورد المقاومة أمر حتمي، وإيران تؤمن بأن هزيمة إسرائيل ممكنة وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها وتحتاج إلى الولايات المتحدة والغرب لحمايتها. والاغتيالات لا تدل على القوة، وإنما تشير إلى الضعف كما قال الكثير من الذين تابعوا الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عشرة أشهر. الجميع بانتظار ساعة الصفر التي ستحددها إيران لبدء هجومها على إسرائيل، والجميع يترقب إذا كان ثمة وساطات، وبخاصة من روسيا والصين اللتين تربطهما علاقات استراتيجية مع إيران في مقابل اعتماد إسرائيل على أمريكا التي تزودها بـ 70 بالمئة من الأسلحة فيما تزود ألمانيا إسرائيل بـ 30 بالمئة من الأسلحة.
إن الضغوط الدولية على كيان الاحتلال ضرورية في ظل الضعف والعجز الذي تبديه إدارة بايدن التي تتصرف ليس كبطة عرجاء في موسم الانتخابات، وإنما تتصرف كجمل حاقد يحمل نتنياهو على سنمه ويحميه ولا يملك من أمره شيئا. فيما يرفض نتنياهو وقف الحرب رغم الأزمة الحادة التي يمر بها كيان الاحتلال، وبذلك يجر المنطقة والعالم وليس الولايات المتحدة فقط إلى كارثة محققة ما لم تحدث المعجزة وتتنبه الدول العظمى لضرورة وقف العدوان على غزة بأي ثمن قبل أن تقع الفأس في الرأس.