اختيار السنوار يعني أن حماس ستكون أكثر جرأة وأكثر فاعلية على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي. وقد كان لافتاً ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، بقوله إن السنوار هو صاحب القرار وعليه أن يتخذ القرار بوقف إطلاق النار، مع العلم أن حماس أعلنت ثلاث مرات موافقتها على الخطط والاتفاقيات التي تم التوصل إليها لوقف إطلاق النار، إلا أن نتنياهو كان دائماً يعرقل أي حلول سلمية ويدفع الأمور باتجاه التصعيد عبر رفضه وقف إطلاق النار وإعلانه الاستمرار في الحرب والعدوان والقتل حتى القضاء على حماس، الأمر الذي لم يحصل. وقد ردت حماس على منطق نتنياهو وأخذت قرارها بتعيين السنوار كنوع من التحدي بالدرجة الأولى لنتنياهو وحكومته وكيانه، وكأنها تقول إن عملية طوفان الأقصى مستمرة والمقاومة مستمرة.
أما فيما يتعلق بمواقف الدول العربية، فقد أعلنت إيران وحزب الله مواقف داعمة ومؤيدة ومرحبة باختيار السنوار بعد أسبوع، بكونه رمزاً من رموز المقاومة والتحدي، فيما لم تبد الدول العربية التي ترتبط بإسرائيل باتفاقيات سلام أي حماسة في اختيار السنوار. والبعض لا يزال صامتاً لا يريد أن يدلي بدلوه في هذا الأمر. والواقع أن من كان مع المقاومة فقد كان متفائلاً باختيار السنوار، ومن كان ضد المقاومة شعر بالتشاؤم من اختيار السنوار. ولم يقتصر الاهتمام بتعيين رئيس جديد لحماس بعد عشرة أشهر من المعارك على الدول العربية والدول المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي فحسب، فقد خصت وسائل الإعلام العربية والعالمية مساحات واسعة من نشراتها وتقاريرها لمتابعة حيثيات وأسباب وأهداف ودلالات اختيار السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحماس.
الانطباعات وردود الفعل والمناخ العام الذي تركه اختيار السنوار ليس بهذا الشكل من التشاؤم كما أنه ليس بهذا القدر من التفاؤل، وعلى العكس ترك اختيار السنوار الأسئلة معلقة وكثيرة. فمن المعروف أن تجربة لبنان وقيادة السيد حسن نصر الله للمقاومة مختلفة عن تجربة حماس اليوم. فقد تفاوض الغرب مع حركة أمل اللبنانية بديلاً عن حزب الله، وكانت الرسائل كلها تصل إلى حزب الله وقيادته عبر رئيس مجلس النواب اللبناني خلال الحرب. أما في قطاع غزة، فإنه إلى الآن من غير المعروف طريقة اتخاذ القرار والتعاطي مع المفاوضات بعد اغتيال هنية، الذي اعتبر البعض اغتياله بمثابة اغتيال للمفاوضات نفسها. ولكن ثمة من يعتبر اليوم أن اختيار السنوار ربما يكون بداية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لأن السنوار لديه تجربة ميدانية وسياسية واسعة وهو يدعو إلى المصالحة الوطنية مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وكان دائمًا في خطاباته يمتدح ياسر عرفات أبو عمار، الرئيس الفلسطيني السابق ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية التاريخي. ولديه حيثية وطنية مختلفة عن الصورة التي تشكلت عن قيادة حماس التي ترفض الانضواء تحت لواء السلطة الفلسطينية وترفض حتى فكرة السلام مع إسرائيل، فيما يبدو أن السنوار يؤيد بقوة حل الدولتين، وهذا تطور كبير في طريقة تفكير حركة حماس.
وفي الحقيقة، فإن الوضع لا يزال غامضاً ولا يزال الموقف لا يتعدى الآراء والأقوال فيما لا أحد يستطيع أن يتكهن بالأفعال. فالسنوار عندما يكون قائداً ميدانياً فإن ذلك يترتب عليه أمور مختلفة عما إذا كان قائداً سياسياً، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة ويمر بها قطاع غزة والشعب الفلسطيني. ولا يمكن معرفة طريقة التواصل والتنسيق والتعامل بين الدول وبين حركة حماس، خاصة وأن السنوار سيبقى متخفيًا ولن يتمكن إلا إذا توصلت الأطراف إلى اتفاق لوقف إطلاق النار للظهور للعلن. وربما يحتاج الأمر إلى ضمانات بوقف الاغتيالات السياسية التي تنفذها إسرائيل ضد القيادات الفلسطينية، مع أنه من المستبعد أن يكون هناك اتفاق بين حماس وكيان الاحتلال طالما بقي نتنياهو في الحكم وطالما بقي السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحماس. إلا أنه كما نقول دائماً، في السياسة لا يوجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما توجد مصالح دائمة، وربما يكون من مصلحة كيان الاحتلال في ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى التوصل إلى صفقة والاتفاق على إطلاق الأسرى الصهاينة لدى حماس ووقف دائم وشامل لإطلاق النار في قطاع غزة. مع أن الانتقام الإسرائيلي لعملية طوفان الأقصى أثبت أن كيان الاحتلال وقيادته على كل المستويات في الحكومة والمعارضة هم حفنة من المجرمين القتلة والعصابات الإجرامية المتمرسة، وما تدمير قطاع غزة وارتكاب آلاف المجازر منذ أكثر من عشرة أشهر وقتل أكثر من أربعين ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء إلا دليل على أن إسرائيل ونتنياهو عنوان للعنصرية والكراهية والحقد، ولا أمل بوجود السلام في ظل وجود نتنياهو على سدة الحكم في إسرائيل، وهو يسعى لإطالة الحرب ليس لمصلحة إسرائيل وإنما لمصلحته الشخصية، فنتنياهو سيكون مكانه السجن أو القبر لحظة إعلان موافقته على وقف إطلاق النار في غزة.
كل المؤشرات تدل على أن اختيار السنوار لرئاسة حماس بعد أسبوع من اغتيال هنية هو بداية العد العكسي للهجوم الإيراني المرتقب الذي سيكون قوياً وحاسماً وفاعلاً ومؤثراً أكثر هذه المرة مما كان عليه الهجوم الإيراني في الرابع عشر من نيسان الماضي بعد حادثة الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال محمد زاهدي. وربما بعد سلسلة الاغتيالات السياسية التي تنفذها إسرائيل ضد قيادات المقاومة، توصلت إسرائيل إلى نتيجة مفادها أن هذه الاغتيالات تجلب دائماً قيادات أكثر تمرساً وأكثر حزماً، والدليل عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي قبل عقود، والتي جاء بعدها السيد حسن نصر الله لرئاسة الحزب. وما حصل في قطاع غزة الأسبوع الماضي هو سيناريو مكرر عما حصل قبل أربعين عاماً.