تتداخل السياسة الدولية اليوم بشكل معقد بين محاولات التهدئة والتحضير للصراعات، وهذا يتجلى بوضوح في التصريحات الأخيرة من قبل الباحث والمحلل السياسي محمد العمري، المختص في العلاقات الدولية، خلال حوار له مع شبكة شام نيوز إنفو على هواء ميلودي إف إم. العمري يرى أن دعوة الولايات المتحدة وقطر ومصر لاستئناف المفاوضات ليست سوى محاولة لإحياء مسار التفاوض المتعثر، وخاصة في ظل استمرارية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الحادي عشر.
من الواضح أن الولايات المتحدة تعي تمامًا أن إسرائيل قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وهذا يتطلب ردًا من محور المقاومة. ومع ذلك، فإن واشنطن تسعى لامتصاص هذا الرد أو تأخيره على الأقل، وذلك من خلال الإعلان عن استئناف المفاوضات. من منظور العمري، الولايات المتحدة تحاول من خلال هذه الدعوة كسب الوقت من أجل إعادة تموضع قواتها في المنطقة، والتعامل مع التوترات الداخلية والخارجية التي تواجهها، لا سيما في ظل انتخابات مقبلة وغضب شعبي من استمرار الدعم المطلق لإسرائيل.
إحدى النقاط البارزة التي يشير إليها العمري هي أن إعلان الولايات المتحدة عن استئناف المفاوضات لا يهدف بالضرورة إلى تحقيق تقدم ملموس على الأرض، بل هو محاولة لتأخير الرد الإيراني المتوقع. يرى العمري أن هذه المحاولة الأمريكية تفتقر إلى الضمانات الجدية التي قد تطمئن إيران، وخاصة في ظل غياب اتفاق واضح حول مكان انعقاد الاجتماع المنتظر، سواء في القاهرة أو في الدوحة.
بالإضافة إلى ذلك، يشير العمري إلى أن هناك صراعًا داخليًا في الولايات المتحدة بين البيت الأبيض وبعض المؤسسات حول حجم الدعم الذي يجب تقديمه لإسرائيل. قد تحاول واشنطن استغلال أي رد إيراني لتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات، كما حدث في مرات سابقة، مما قد يؤدي إلى تبني الرواية الإسرائيلية من قبل الإدارة الأمريكية.
فيما يتعلق برد الفعل الإسرائيلي، يؤكد العمري أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لتحقيق كامل أهدافه العسكرية في غزة، حتى لو كان ذلك على حساب ارتكاب المزيد من المجازر. يتضح من تصريحات نتنياهو لصحيفة التايمز البريطانية أنه لا ينوي وقف الحرب حتى تحقيق جميع أهدافه، وهذا ما يعزز من احتمالية تصعيد الوضع في المنطقة.
أحد السيناريوهات التي يستعرضها العمري هو احتمال أن تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل تجنب تصعيد كبير عبر استخدام المفاوضات كوسيلة لامتصاص التوترات. إلا أن العمري يحذر من أن المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة الأوسع، بما في ذلك إيران وحزب الله، قد يختارون اللحظة المناسبة للرد بشكل قوي وحاسم، مما قد يغير معادلة الصراع بشكل جذري.
العمري يشير أيضًا إلى التحديات الداخلية التي تواجه إسرائيل، حيث تتزايد نسبة استهلاك الكحول والمخدرات في المجتمع الإسرائيلي بشكل ملحوظ، وهو مؤشر على الضغط النفسي الكبير الذي يعيشه المواطنون نتيجة للعدوان المستمر. هذا الضغط يتفاقم بسبب ارتفاع تكاليف الاستعدادات العسكرية اليومية، وتزايد أسعار المواد الغذائية نتيجة للتوترات المستمرة.
إسرائيل تواجه أيضًا تحديات كبيرة فيما يتعلق بإمدادات الغذاء والطاقة. العمري يشير إلى أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على واردات الفواكه والخضروات، والتي قد تتأثر بشكل كبير في حال اندلاع حرب مع حزب الله أو إيران. هذا الاعتماد على الواردات يضع إسرائيل في موقف ضعيف في حال تصاعدت التوترات العسكرية، وخاصة في ظل غياب استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التحديات.
في ختام تحليله، يؤكد العمري أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لتجنب توسيع دائرة الصراع في المنطقة، لكنها قد تجد نفسها مضطرة للتدخل إذا ما تجاوزت الأمور حدود السيطرة. العمري يلفت النظر إلى أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تورط قوى إقليمية ودولية كبرى مثل روسيا والصين، مما قد يحول الصراع في الشرق الأوسط إلى حرب عالمية جديدة.
تظل المنطقة في حالة ترقب، حيث ينتظر الجميع ما ستسفر عنه التحركات الأمريكية والإسرائيلية. العمري يرى أن السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن أي تصعيد قد يغير معادلة القوى في المنطقة بشكل كبير، مما قد يدفع العالم نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.