منذ لحظة إطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في الدونباس، حرصت القيادة الروسية على حماية المدنيين ومنع توسيع الحرب. ورغم وصول القوات الروسية إلى مشارف العاصمة الأوكرانية كييف، جاء قرار الانسحاب حتى حدود منطقة العملية الروسية في الدونباس وإعلان الانتخابات في الأقاليم الأربعة الروسية بمثابة وضع إطار محدد لهذه العملية التي حققت خلالها روسيا كامل أهدافها بالتعاون مع بيلاروس، التي شكلت مع روسيا الاتحادية كمنطقة جغرافية واحدة دون أن تشارك في الحرب مباشرة، قلعة شامخة أرعبت الغرب وزادت من حالة الفوبيا التي يعيشها الغرب الاستعماري من روسيا. حققت روسيا إنجازات لم تكن في حسابات الغرب واستعادت بضم المقاطعات الأربعة مكانتها ودورها كدولة عظمى بعد أن حاول الغرب بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي اعتبارها مجرد دولة عادية، الأمر الذي لا تقبله القيادة الروسية التي سارت بالمفاوضات مع نظام كييف حتى النهاية قبل أن ينقلب زيلينسكي والناتو على كل التفاهمات والاتفاقات ويعلن الحرب الشاملة على روسيا. هذه حرب غير مسبوقة شملت بالإضافة إلى تزويد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة فرض عقوبات على روسيا وصلت إلى عشرين ألف عقوبة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والرياضية والاجتماعية والثقافية والفنية والمالية. كانت العقوبات بمثابة حرب موازية للحرب التي تشنها أوكرانيا والناتو، وجاء تفجير السيل الشمالي لضرب الاقتصاد الروسي ومنع روسيا من تصدير الغاز إلى أوروبا، وجاء الهجوم الإرهابي على كورسك في ذات الاتجاه لمنع روسيا من تصدير الغاز وفرض طوق عليها وسط دعوات لتوسيع الحرب ومنع نظام زيلينسكي من وقف إطلاق النار برغم كل الخسائر التي لحقت بالجيش الأوكراني.
لم يكن اجتماع الناتو في واشنطن في حزيران الماضي والإعلان الذي صدر عن هذا الاجتماع سوى إعلان حرب على روسيا هدفه نسف أي محاولة من نظام كييف لاستئناف الحوار والمفاوضات لإنهاء الحرب، وهذا ما أكده القادة الروس. البيان الذي صدر عن الناتو كان مجرد مقدمة للهجوم الإرهابي الذي يحصل اليوم على مقاطعة كورسك، الذي تقوده الاستخبارات الغربية وتشرف عليه الولايات المتحدة التي تعتبر معركتها في أوكرانيا مسألة حياة أو موت للقطبية الأحادية.
وجميع المرتزقة الذين شاركوا في الهجوم وجميع القوات الأوكرانية ستكون معرضة للإبادة، لأن ببساطة.. موضوع هزيمة روسيا لا يستطيع أحد حتى لمجرد التفكير فيه، ذلك أن الجيش الروسي أثبت قدرته العالية على التعامل مع كل الظروف وكل الحالات، وأكد الرئيس بوتين أن الاعتداء على سيادة روسيا واستهداف المناطق المدنية وقتل المدنيين الآمنين لن يمر دون عقاب.
وعلى الرغم من نفي الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة علمهم المسبق بالهجوم الأوكراني الإرهابي على كورسك، إلا أن الهجوم تزامن مع وصول طائرات F-16 الأمريكية ومع تزويد أوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات واستمرار الحملات الغربية ضد روسيا، بما لا يضع مجالاً للشك بأن الاستخبارات الأمريكية والغربية والبريطانية كانت وراء التخطيط وتنفيذ هذا الهجوم التصعيدي الخطير.
موسكو التي ربما تفاجأت بالهجوم على كورسك، كانت في وضع مريح على كامل جبهات القتال وفي ذروة انتصاراتها وهي تتقدم بشكل متناسق ودون خسائر. لم يكن موضوع الهجوم على أراضيها في حساباتها، لأن هذا بالعقيدة الروسية ضرب من الجنون أن يفكر أحد بمهاجمة الأراضي الروسية التي كانت دائماً عصية على الغزاة من نابليون إلى هتلر وصولاً إلى زيلينسكي الموتور الذي فتح على نفسه بهذا الهجوم على كورسك أبواب جهنم. وهذا ما ظهر منذ الدقيقة الأولى للهجوم، فقد بدأت عملية استعادة الأراضي الحدودية والدخول إلى البلدات والقرى وبدأ الرد الروسي من سودجا التي توقف عندها الهجوم الذي شنته أوكرانيا واستخدمت فيه الأسلحة الغربية والمرتزقة. وأكدت روسيا بعد أن شاهدت الدبابات الألمانية في كورسك أنها تستطيع أن تعيد الدبابات الروسية إلى برلين في إشارة إلى الحرب العالمية الثانية التي انتصرت فيها روسيا على النازية.
إلا أن الرئيس بوتين المعروف عنه بالصبر والثبات والتأني والهدوء في اتخاذ القرارات عقد اجتماعاً أمنياً عبر خلاله عن خطورة الخطوة الأوكرانية وأكد أن الرد سيكون حاسماً وحمّل الغرب المسؤولية بكونه يوفر لزيلينسكي كل ما يطلبه.
لن يكون السادس من تموز يوماً عادياً بالنسبة للروس وللقوات الجوفضائية الروسية التي استطاعت خلال السنوات الماضية، خلال الحرب على الإرهاب في سورية والحرب في أوكرانيا، أن تثبت أنها القوة الأولى في العالم، والتي لا يستطيع أي جيش الوقوف في وجهها. ولهذا فإن ما حصل في هذا التوقيت من هجوم أوكراني غادر على كورسك كان نقطة فارقة في الحرب الدائرة في أوكرانيا والتي حققت فيها روسيا نجاحات باهرة رغم أنها تقاتل في مواجهة 30 وزارة دفاع غربية، عدا عن آلاف المرتزقة الذين يتم تجنيدهم لقتال الجيش الروسي، الذي أثبت من جديد أنه الأقوى والأقدر وأن الأسلحة التي يستخدمها لا مثيل لها في دقتها وفي سرعتها وفي فاعليتها، وكان ذلك وراء هذا الهجوم الإرهابي في محاولة لتغطية الفشل والعجز والهزيمة التي لحقت بالناتو سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، حيث استطاعت روسيا أن تقلب الطاولة على هذا الحلف العدواني وأن تحقق انتصاراً عسكرياً وتحافظ على نمو اقتصادي مستمر رغم العقوبات والاستنزاف.
**ومع استمرار المعارك الضارية والعنيفة بين الجيش الروسي والقوات الأوكرانية التي تتكبد خسائر كبيرة على جميع جبهات محاور القتال، وبخاصة في مقاطعة كورسك التي تعتبر شريان الغاز الروسي الحيوي الوحيد المتبقي العابر للحدود مع أوكرانيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي الممتدة من صربيا إلى إيطاليا، فقد أكد قائد قوات أحمد الروسية الخاصة أبتي علاء الدينوف أن العسكريين الروس يواصلون تطويق وسحق القوات الأوكرانية في المقاطعة، فيما حذرت موسكو بلسان نائب مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي من أن استخدام قوات النظام الأوكراني للأسلحة الأمريكية في هجومها على مقاطعة كورسك الروسية ستكون له عواقب.
بيانات وزارة الدفاع الروسية المتلاحقة حول سير العمليات العسكرية في كورسك وعلى جبهة خاركيف أشارت إلى حالة الذعر والخوف التي تسيطر على قوات العدو في وقت تجري التحضيرات لهجوم ساحق لاستعادة المناطق التي احتلها نظام كييف على الحدود.
يراهن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته المرشحة للانتخابات الرئاسية على أن أي انتصار أو إنجاز يحققه الجيش الأوكراني يصب في صالح حملة كامالا هاريس الانتخابية، وتحاول إدارة بايدن وهي تنفي علمها المسبق بالهجوم الأوكراني التملص من مسؤولياتها، مع أن الأسلحة التي استخدمتها القوات الأوكرانية لقتل المدنيين الروس هي أسلحة أمريكية.
حالة من الترقب حول ما ستفعله روسيا الدولة العظمى التي تقود مع الصين العالم لإقامة نظام عالمي جديد يحل محل القطبية الأحادية، وقد أنجز الكثير في هذا المسار ولن يكون لهذه الطعنة الغادرة التي تعرضت لها روسيا أي أثر على نتيجة المعركة النهائية، والأمور بخواتيمها، ومن يدخل الحمام كما يقول المثل العربي ليس كمن يخرج منه. إن رسالة الغرب المضمخة بدماء المدنيين الأبرياء إلى روسيا لن تغير من الصورة النهائية، خاصة وأن الهجوم الإرهابي تم احتواؤه ويتم منذ السادس من تموز وحتى اليوم التعامل معه وصولاً إلى استعادة كامل الأراضي والبلدات التي دخلها المرتزقة النازيون، والذين سيدفعون ثمناً باهظاً، وستتحول آمال وأماني إدارة بايدن بهزيمة روسيا إلى هزيمة مزدوجة عندما يحين الوقت، هزيمة عسكرية لزيلينسكي في الميدان وللناتو من ورائه، وهزيمة سياسية لكامالا هاريس. ومن لا يصدق عليه أن ينتظر حتى الخامس من تشرين الثاني، وإن غداً لناظره قريب.