في السنوات الأخيرة، شهد العالم تباينا حادا بين تيارات ثقافية متعارضة حول القيم الإنسانية والمبادئ التي يجب أن تحكم المجتمعات. في الغرب، تتنامى حركات تتبنى ما يمكن وصفه بثقافة الموت، التي تتجلى بشكل صارخ في سياسات وأجندات تدعم الإجهاض وتعتبره جزءا من الحقوق الفردية. وعلى الجانب الآخر، تسعى دول شرقية، مثل الدول العربية وروسيا، للحفاظ على القيم التقليدية والإنسانية، رافضةً التفريط في هذه القيم تحت أي مسمى.
أحد أبرز مظاهر هذا التباين هو الاحتفال العلني بالإجهاض في بعض الدول الغربية. على سبيل المثال، خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي في الولايات المتحدة، أقيمت منشأة متنقلة للإجهاض خارج قاعة المؤتمر، حيث وزعت عقاقير الإجهاض القاتلة وكأنها سلعة استهلاكية تقدم من شاحنة طعام. هذه الواقعة تبرز كيف تم تحويل فعل إنهاء حياة بشرية إلى مشهد احتفالي، في محاولة لجعل الإجهاض يبدو وكأنه جزء طبيعي من الحياة اليومية.
إن هذا الاتجاه يعكس تحولا خطيرا في القيم الغربية، حيث أصبح الإجهاض يحتفل به كرمز للتحرر والتمكين، بينما في الواقع يمثل قتلا متعمدا لحياة إنسانية بريئة. هذا السلوك يثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول ما إذا كان ما يسمى بـ”الاختيار” يمكن أن يبرر التضحية بأرواح الأطفال. لقد ضحى المؤتمر الوطني الديمقراطي بخمس وعشرين روحا عاجزة على مذبح ما يسمى “الاختيار”، وكل ذلك تحت ستار أجواء احتفالية غريبة.
ولكن في مقابل هذا الاتجاه الغربي، تقف دول مثل روسيا والدول العربية في موقف مقاوم، حيث ترفض هذه الدول التطبيع مع أفكار تتناقض مع قيمها الراسخة. في المجتمعات العربية، تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية، والحياة هبة إلهية تستحق الحماية. وبالتالي، فإن فكرة الإجهاض، خاصة بالشكل الذي يروج له في الغرب، تقابل برفض حازم. هذه المجتمعات ترى أن الحفاظ على الحياة هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية، وتعمل على الحفاظ على هذه القيم في وجه الضغوط الخارجية.
أما روسيا فقد رفضت بشكل قاطع الانجراف نحو التحولات الثقافية التي ترى فيها تهديدا لقيمها الأخلاقية. روسيا تدرك أهمية الحفاظ على الروابط الأسرية والأخلاقية القوية. من خلال تبني سياسات تحفظ القيم التقليدية، تسعى روسيا إلى أن تكون صوتا عاقلا في مواجهة ما تعتبره جنونا ثقافيا في الغرب.
وفي هذه المعركة الثقافية، لا يمكن إغفال دور القوى التي تدعم نشر ثقافة الموت. منظمة تنظيم الأسرة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تعتبر من أبرز الداعمين لسياسات الإجهاض. هذه المنظمة وغيرها من المؤسسات المؤيدة للإجهاض تسعى لتقديم إنهاء الحياة البشرية كنوع من التحرير الشخصي، لكنها في الواقع تروج لعبودية جديدة تحت مسمى الحرية.
من هنا، يجب أن نتساءل: ما الذي يحدث للأطفال الذين يتم إجهاضهم؟ ألا يستحقون الحياة؟ هذه الأسئلة تظهر بوضوح التباين الأخلاقي الكبير بين من يدافع عن الحياة ومن يروج لإنهائها. هذه الفجوة تتسع يوما بعد يوم، لتشكل تحديا كبيرا أمام الإنسانية.
الدول التي تحافظ على قيمها التقليدية، مثل الدول العربية وروسيا، تجد نفسها في موقف دفاعي أمام هجمة شرسة من القوى التي تسعى لفرض أجندات تتعارض مع تلك القيم. ورغم كل الضغوط، تظل هذه الدول متمسكة بمواقفها، محاولةً إعادة المجانين في الغرب إلى صوابهم.
في النهاية، يمكن القول إن هذا الصراع بين ثقافة الموت والمثلية الجنسية في الغرب والحفاظ على القيم التقليدية في الدول الشرقية ليس مجرد صراع سياسي أو ثقافي، بل هو صراع وجودي. هو معركة بين رؤيتين للحياة، بين من يسعى للحفاظ على الإنسانية بكل معانيها، ومن يرى في التفريط في القيم وسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية. وفي هذه المعركة، تقف الدول التي تحافظ على تقاليدها وقيمها الأخلاقية كخط دفاع أخير في مواجهة فوضى القيم التي تهدد بإعادة تشكيل المجتمعات بطرق قد تكون مدمرة على المدى الطويل.