موسكو تدعو إلى وقف التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، والوزير لافروف يؤكد أن واشنطن لم تُدِن العدوان الإسرائيلي على لبنان وأنها تتحمل المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال.
أشعلت الولايات المتحدة الحرب على لبنان وأوكلت لإسرائيل تدمير هذا البلد وتوسيع المواجهة في محاولة لجر إيران إلى الحرب، مما يهدد أمن المنطقة بأسرها. أما في أوكرانيا، فقد عمدت واشنطن إلى تأجيج الصراع وزودت نظام كييف بأسلحة وصواريخ بعيدة المدى لقصف عمق الأراضي الروسية وتوسيع الحرب لتشمل بيلاروس ومولدافيا.
وفي أوج الحملات الانتخابية الأمريكية بين ترامب وهاريس، والتي تتقدم فيها هاريس، يحاول كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي استغلال الحرب في أوكرانيا والعدوان على لبنان لخلق واقع جديد واستنزاف روسيا وإيران ومن يتحالف معهما في المنطقة والعالم. في وقت تركزت الجهود الروسية على منع التصعيد وبذل الجهود لاستعادة الأمن والسلام حول العالم وإعادة التوازن إليه.
ورغم انشغال الدبلوماسية الروسية في الحرب الدائرة في أوكرانيا وانخراط روسيا بشكل كبير في الجهود المبذولة لوضع حد للأزمة الدائرة في سورية منذ العام 2011، إلا أن موسكو سجلت موقفاً تاريخياً متميزاً. فمن جهة، أعلنت عن عقيدة نووية جديدة تتوافق مع التطورات المتسارعة ومحاولات الغرب استهداف روسيا، وتعطي الحق للقوات الجوفضائية الروسية باستخدام القوة النووية في حال تعرضت لهجوم من دولة غير نووية بدعم من الغرب.
كما دعت روسيا إلى خفض التصعيد ووقف إطلاق النار في غزة ووقف العدوان الإسرائيلي على لبنان وتحميل المسؤولية عن الأحداث لقوات الاحتلال والولايات المتحدة، الداعم الأساسي لإسرائيل.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد أن واشنطن لم تُدِن العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأنها تتحمل المسؤولية عن تداعيات هذا الغزو البري.
ورغم انفراد الولايات المتحدة ومصر وقطر بموضوع المفاوضات حول غزة، فإن روسيا كانت حاضرة على الساحة الدولية منذ بدء عملية طوفان الأقصى من أجل الدفع باتجاه وقف المجازر بحق الفلسطينيين والتحذير من مغبة التصعيد قبل اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقبل الهجوم الصاروخي الإيراني على قواعد عسكرية في إسرائيل مساء الاثنين الماضي.
في اللحظة التي قررت فيها إسرائيل وحكومتها المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو تصعيد الأوضاع ضد لبنان في الثامن من أيلول الماضي بعد تفجيرات البيجر الإرهابي وما تلاها من القيام بعمليات اغتيال ضد قيادات في حزب الله اللبناني، وصولاً إلى جريمة اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد انخرطت روسيا بشكل واسع في سلسلة لقاءات واجتماعات كان هدفها الأساسي وضع حد للتصعيد الإسرائيلي وإبرام اتفاق لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس ووقف العدوان، إلا أن نتنياهو رفض أي وقف لإطلاق النار حتى القضاء على حماس وحزب الله.
مرحلة جديدة بدأت بعد دخول إيران وقيامها بقصف مواقع عسكرية متعددة بمئات الصواريخ فرط الصوتية، وهي المواقع والمطارات التي انطلقت منها الطائرات الإسرائيلية التي أغارت على الضاحية الجنوبية والتي اغتالت الأمين العام لحزب الله. وهذه المرحلة من التصعيد تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تحشد الأساطيل وحاملات الطائرات في الشرق الأوسط وفي قواعدها البحرية والبرية المنتشرة في المنطقة.
وعلى الضفة الأخرى تقف روسيا في الخندق المقابل وهي تدعو لوقف الحرب وتدفع بكل ثقلها السياسي ونفوذها على الساحة الدولية لتخفيف التوتر ولجم نتنياهو وزيلينسكي اللذين يعملان معاً لتدمير السلام وإشعال حرب عالمية ثالثة. وكانت لقاءات وزير الخارجية الروسي خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تتركز على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بعد أن اتضح للقاصي والداني أن الاستمرار في العدوان سيشعل المنطقة بأسرها، الأمر الذي ترفضه موسكو وتعمل على تجنبه بكل السبل. فيما وقفت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الغربية صامتة بدون حراك تتفرج على المجازر والجرائم الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق غزة ولبنان وسورية واليمن، في تصعيد واسع لم تشهده المنطقة منذ حرب تموز عام 2006.
الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أكد بعد جريمة اغتيال السيد نصر الله أنه لا توجد خطط لأي اجتماع أو اتصال بين الرئيس فلاديمير بوتين وبين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في إشارة إلى الغضب الذي ينتاب موسكو جراء حالة الجنون والانفلات الإسرائيلي. كما أصدرت الخارجية الروسية سلسلة بيانات أوضحت بجلاء موقفها من عمليات الاغتيالات وعمليات القصف الوحشية التي تستهدف المدنيين في غزة والضفة ولبنان وسورية.
من جانب آخر التقى في طهران علي أكبر ولايتي، مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية، مع ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، وبحث الجانبان سبل التعاون بين البلدين فيما يتعلق بآخر التطورات الإقليمية، خاصة التطورات في غزة وحل الأزمة في سوريا ولبنان. وأكد ولايتي على ضرورة وقف آلة القتل لهذا الكيان الغاصب، واصفًا علاقات إيران مع روسيا بأنها وثيقة ومتوسعة.
وخلال جلسة لمجلس الأمن بعد بدء الهجوم البري الإسرائيلي على لبنان، والذي يهدف إلى غزو لبنان للمرة السادسة منذ العام 1978، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن إسرائيل تخطط لإشعال صراع بين إيران والولايات المتحدة.
من جانب آخر، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا تجري اتصالات مكثفة مع كافة الأطراف في الشرق الأوسط، وأنها تدعو الجميع إلى ضبط النفس. جاء ذلك في الإفادة الصحفية لبيسكوف الأربعاء الماضي، حيث تابع، ردًا على سؤال حول الإجراءات التي تعتزم موسكو اتخاذها فيما يتعلق بالوضع المتدهور في الشرق الأوسط، وما إذا كانت روسيا ستدعم إيران حال نشوب صراع واسع النطاق مع إسرائيل: أكد بيسكوف “لدينا اتصالات مع جميع أطراف الصراع، ونواصل إجراء هذه الاتصالات وندعو جميع الأطراف لضبط النفس في ضوء ما يحدث، وبالطبع ندين أي أعمال تؤدي إلى مقتل المدنيين”.
وحول الوضع في الشرق الأوسط قال بيسكوف إن الوضع “يتطور وفقًا للسيناريو الأكثر إثارة للقلق”.
روسيا التي تربطها بإيران علاقات سياسية وعسكرية متينة تتابع بقلق التطورات في الشرق الأوسط في ضوء حالة الهستيريا والجنون والتوحش التي تسيطر على نتنياهو وحكومته المتطرفة، والتي تدفع لحرب شاملة وتقول إنها تريد تغيير خارطة الشرق الأوسط.
الموقف الروسي ليس جديدًا، بل هو مسار طويل وسياسة ثابتة تنتهجها موسكو منذ الحرب الباردة. واليوم لم تعد أوراسيا مجرد مصطلح سياسي تتداوله وسائل الإعلام للدلالة على أهمية الشرق في مواجهة الغرب، بل أصبحت فكرة وعقيدة تتبنى مواقف سياسية تهدف لترسيخ قيم وعادات جديدة لرسم محددات النظام العالمي الجديد وخلق أجواء جديدة تؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.