الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل تقترب أكثر… والدبلوماسية الإيرانية تفشل في منع العدوان… والحرس الثوري يعلن أن عملية الوعد الصادق 2 كانت مجرد تنبيه…
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول من العام 2023 كان واضحا أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة وأن حجم الانتقام الإسرائيلي مع وجود حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو لتغيير الوضع الذي نشأ عن هذه العملية لا يمكن التكهن بحدوده ومدته، خاصة مع دخول أطراف إقليمية ودولية دوامة الصراع الجديد. ومع بدء المجازر الإسرائيلية ضد أبناء القطاع المنكوب والمحاصر، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 4000 مجزرة وجريمة، تكفلت الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية بدعم حكومة نتنياهو واعتبرت المجازر الإسرائيلية وتهجير الفلسطينيين دفاعا عن النفس…
وفي هذا الإطار قامت الولايات المتحدة بإقامة جسر مائي اسموه “جسر بايدن” بحجة مساعدة النازحين، ليتبين أنه مخطط لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ومساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي على استعادة الأسرى بالقوة، مع أن الولايات المتحدة انخرطت منذ الأسبوع الأول للحرب بمفاوضات مع مصر وقطر للتوسط بين إسرائيل وحماس لإطلاق الأسرى ووقف إطلاق النار، إلا أن إخفاقاتها كانت متوالية وفشلت جهودها بالنظر إلى وقوفها إلى جانب العدوان واستخدامها الخداع والكذب. ولم تحقق أي نتيجة سوى التوصل إلى هدنة قصيرة وإبرام صفقة محدودة للتبادل لم تغير من الواقع شيئا فيما بقي أكثر من 120 أسيرا إسرائيليا بيد حماس حتى الآن ولا تزال المجازر بحق الفلسطينيين متواصلة…
نتنياهو الذي كان يخوض الحرب على جبهتين: خارجية مع المقاومة، وداخلية مع خصومه السياسيين الذين يريدون إسقاط حكومته وتحميله المسؤولية عن إخفاقات السابع من تشرين الأول، استطاع أن يحتفظ بالحكومة وأن يواصل الحرب وفي نفس الوقت كان يحرض على إيران. وخلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وخطابه أمام الكونغرس الأمريكي، اعتبر نتنياهو أن العدو الرئيسي لأمريكا ولإسرائيل هو إيران، وبقي لساعة كاملة يهاجمها فيما كان أعضاء الكونغرس يصفقون له وقوفا في موقف أثار استياء واسعا عبر العالم.
وخلال أكثر من عام فشلت كل الجهود لوقف إطلاق النار، بسبب رفض نتنياهو وعجز إدارة بايدن الضعيفة والمنقسمة على نفسها، وبينما كان البنتاغون يدعو لوقف الحرب ويحذر من اتساعها، تبنى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التصعيد وكان أقرب إلى نتنياهو وقال لدى زيارته لإسرائيل بعد طوفان الأقصى: “أزوركم اليوم ليس بصفتي وزيرا للخارجية وإنما بصفتي يهوديا”. ولا شك أن التوافق بين نتنياهو وبلينكن كان سببا في تعطيل المفاوضات وفي إذكاء نار الحقد والانتقام بين إيران والولايات المتحدة، فحكومة نتنياهو المتطرفة كانت تعمل على اتجاهين: قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من غزة ومحاولة جر الولايات المتحدة لحرب كبرى مع إيران، وهذا الهدف يحمله نتنياهو معه منذ استلامه السلطة في كيان الاحتلال في العام 2009.
ولتحقيق هذا الهدف ارتكبت حكومة نتنياهو جريمة قصف القنصلية الإيرانية بدمشق، وعندها قامت إيران بالرد في التاسع عشر من نيسان الماضي وقصفت بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة كيان الاحتلال، وكانت هذه المواجهة الأكبر بين الجانبين منذ قيام دولة إسرائيل التي كانت على مدى سنوات تنفذ عمليات إرهابية واغتيالات في الداخل الإيراني وفي سورية طالت عشرات العلماء والمستشارين الإيرانيين بحجة منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فالمعركة المشتعلة في غزة وعلى جبهات الإسناد منذ قرابة العام كانت دائما تنذر بالاتساع، فقد استخدمت واشنطن المفاوضات ذريعة لمنح نتنياهو المزيد من الوقت لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتدمير القطاع. وطالما تذرعت إدارة بايدن بوجود خلافات مع نتنياهو، وكان هذا الخلاف أشبه بدعاية باطلة هدفها ذر الرماد في العيون، وإعطاء نتنياهو الفرصة تلو الأخرى لارتكاب المزيد من الجرائم التي استهجنتها البشرية كلها حكومات وشعوب.
ورغم أن إيران التزمت مبدأ ضبط النفس بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران وقام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بزيارة الولايات المتحدة لإلقاء كلمة بلاده في الجمعية العامة، إلا أن إيران بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلنت أن الكيل قد طفح، وأصبحت عملية ضبط النفس الإيرانية نوعا من العجز، فسارعت إيران لتوجيه ضربات صاروخية بمئة وثمانين صاروخا في الأول من تشرين الأول استهدفت القواعد العسكرية الإسرائيلية وتسببت بخسائر كبيرة لدى الكيان.
وبقيت معادلة الرد والرد المضاد بين إسرائيل وإيران مستمرة مع محاولات نتنياهو جر الولايات المتحدة إلى الحرب بشكل مستمر ومتصاعد وصولا إلى اتخاذ قرار في الحكومة الإسرائيلية المصغرة (الكابينت) بضرب إيران ردا على الهجمات الإيرانية الصاروخية، ما أثار موجة من الردود الدولية التي عبرت عن خشيتها من امتداد الحرب وإشعال المنطقة، مما يؤثر على إمدادات الطاقة ويعرض الأمن والسلام الدوليين للخطر.
وبعد قرار الكابينت بالعدوان على إيران، قامت الولايات المتحدة بنشر منظومات “ثاد” المتطورة للدفاع عن إسرائيل في وجه أي رد إيراني قادم، وهذا شجع نتنياهو على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد دول المنطقة والشعبين اللبناني والفلسطيني.
وفي كلمة له بعد الإعلان عن استشهاد رئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي خطط ونفذ عملية طوفان الأقصى، أعلن نتنياهو أن الحرب لم تنته، في إشارة إلى إتمام حكومته التحضيرات للعدوان على إيران مع تحديد مواعيد لهذا العدوان لا تتعدى موعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من تشرين الأول الماضي، حيث يحاول نتنياهو تأخير العدوان على إيران قدر الإمكان لكي تستفيد منه الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وخلال الأيام الماضية ارتفعت اللهجة السياسية والعسكرية بشكل حاد بين إسرائيل وإيران، وفيما راحت إسرائيل تزبد وترعد، كانت إيران في الطرف الآخر تتحضر لكل السيناريوهات وتؤكد قدرتها على صد الهجمات الإسرائيلية والرد عليها.
ورغم التطمينات الأمريكية من أن العدوان الإسرائيلي على إيران لن يطال المنشآت النووية والنفطية، فقد أكدت إيران على لسان مسؤوليها العسكريين والسياسيين أنها لا تريد توسيع الحرب ولا تريد إشعال حروب جديدة في المنطقة، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه أنها سترد على أي عدوان إسرائيلي بقوة.
وتزامنا مع جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي إلى عدد من الدول العربية والإقليمية من بينها مصر والسعودية والأردن وتركيا لتخفيف حدة التوترات في المنطقة، فقد أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أن إسرائيل ستتلقى ضربة موجعة في حال هاجمت أهدافا إيرانية.
وفي المواقف الدولية، سجلت موسكو موقفا متميزا من مسألة التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، وقام سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو بزيارة الشهر الماضي إلى موسكو، فيما صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بأن الجانب الروسي يحذر إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية لأن ذلك سيشكل تطورا كارثيا. تصريحات ريابكوف جاءت بعد إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أي هجوم إسرائيلي ضد إيران سيكون عملا استفزازيا خطيرا جدا.
ومع تكثيف الاتصالات الروسية الإيرانية للحد من التصعيد الخطير والتوصل إلى تسوية سياسية، فإن واشنطن أعلنت أن خطة الهجوم الإسرائيلي معدة بالكامل ومتفق عليها، فيما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بأن إيران ستتعرض للهجوم قريبا وأن هذا سيكون ردا محدد الأهداف وقاتلا.
نتنياهو الذي يواصل عدوانه على دول المنطقة وبخاصة على لبنان وقطاع غزة يحاول تصدير صورة نصر بارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر. ويستعد لمهاجمة إيران قبل الانتخابات الأمريكية المرتقبة، وسط حالة من الجنون والهستيريا التي تسيطر على حكومته المتطرفة، التي تدفع المنطقة إلى المزيد من الفوضى والحروب لصالح المشروع الصهيو-أمريكي للهيمنة على المنطقة وثرواتها ومنعها من التقدم، إلا أن حسابات الحقل لن تطابق حسابات البيدر ولن يتمكن نتنياهو من تحقيق أوهامه بالسيطرة على المنطقة، خاصة وأن إيران بالتنسيق مع روسيا والصين تعمل على إقامة نظام عالمي جديد وإلى إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة والعالم ووقف الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.