ترامب يختار فريقه ويكرس نفسه رئيسا أوحد لأمريكا بلا منازع ويضع الحزب الجمهوري في جيبه… فهل يعيد ترامب تجربة ريغان مع روسيا وإيران؟
الشخصيات التي اختارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمرافقته في قيادة الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة، واختارهم للمناصب الكبيرة الحساسة كالدفاع والخارجية والاستخبارات، تشير إلى رغبة الرئيس في تكرار مرحلة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، الذي أطلق حرب النجوم خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي سابقا، وتعرض لفضيحة الكونترا الشهيرة مع إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي.
ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه، فالرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان رغم منبته المعدم والفقير إلا أنه شق طريقه عبر الإعلام مثله مثل ترامب، فأوصلته الشهرة إلى البيت الأبيض. كما أن الرئيس ترامب رغم تمتعه بالثراء الفاحش إلا أنه اتكأ على شهرته الإعلامية ليصل إلى البيت الأبيض، وها هو اليوم يعين أيضا عددا من رجال الإعلام في مناصب رفيعة كوزارة الدفاع التي اختار لها المذيع التلفزيوني الوسيم بيت هيغيست، كما اختار للخارجية ماركو روبيو.
لكل زمان دولة ورجال، ولكن زمن ترامب لا يبدو كذلك، فالرجل متوحد مع ذاته في هذه الولاية على عكس ولايته الأولى التي كان صهره جاريد كوشنير يده اليمنى، ولكن ترامب قطع هذه اليد على ما يبدو، واستبدلها بشخصيات مقربة إليه لتنفيذ برنامج صارم سيشرف عليه رجل التكنولوجيا الشهير إيلون ماسك المقرب من ترامب، والذي يشكل فريقا لإدارته كما لو أنه فريق لكرة القدم، فالمباراة حاسمة وفاصلة ومحاولات دغدغة الأحلام بالهدوء ليست واقعية، فالأجواء الدولية عاصفة وترامب صاحب شركة كبرى رابحة ولا يريدها أن تخسر.
إن ما يشير إليه الاعتماد على أشخاص تنفيذيين وسيمين وأصحاب خبرة بسيطة في وزارتي الخارجية والدفاع وفي وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) مقربين من ترامب ليست إلا خدعة. فطالما أن ترامب ونتنياهو على هذه الدرجة من التقارب، فهذا يشير إلى أن ترامب سيحكم أمريكا كما يحكم نتنياهو كيان الاحتلال. وترامب في هذا الحال لن يكرر تجربته السابقة في ولايته الأولى وسيكون حاسما وقاطعا وقد فاز كما فاز وربح مجلسي النواب والشيوخ والرئاسة والمال أيضا، وهو أصبح أشبه بفرعون ويعمل على تشكيل فريق لإدارته مطيع ولا يعصي له أمرا، ولا يخالفه الرأي وينسجم معه بوجهات النظر. فالولاية الأولى لترامب من العام 2016 وحتى 2020 كانت مليئة بالمناكفات والجميع يذكر كيف كانت صباحات العالم كله “ترامبية” حول آخر فضيحة وحول آخر أخبار ترامب، الذي أصبح نجما للأخبار ليس كرئيس بقدر ما كانت أخباره مثيرة وطريقة تعاطيه للأحداث السياسية شعبية وبلدية ومثيرة. وكلنا يذكر كيف رفض وزير الدفاع جيم ماتيس في ولاية ترامب الأولى تنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية المحتلة من سوريا، وقدم استقالته وقال في رسالته إلى ترامب “من حقك أن يكون لديك وزير دفاع منسجم مع وجهة نظرك”، رافضا تنفيذ الأمر.
مزاجية الرئيس ترامب واحتمالات أن يغير أسلوب حكمه وإعطاء الأولوية للداخل الأمريكي ربما هي التي دفعت بترامب لاختيار فريقه الذي لا ينسجم أعضاؤه تماما في السياسات الخارجية، ربما سوى بالولاء لإسرائيل ودعمها. وما عدا ذلك، فإن التناقضات داخل إدارة ترامب كبيرة، خاصة في موضوع مقاربة الوضع في أوكرانيا. فوزير الخارجية المقترح ماركو روبيو، وهو من فلوريدا من مواليد ميامي في كوبا، يعتمد على سردية تقول إنه فقط في الولايات المتحدة يمكن لابن مهاجر أن يصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي. وخلال منافسته ترامب عندما ترشح للرئاسة قبل ثمانية أعوام، أطلق عليه ترامب لقب “ماركو الصغير” بينما وصف روبيو ترامب بأنه محتال.
كان لروبيو مواقف حادة من الأزمة في أوكرانيا في السابق، ودعا إلى فرض عقوبات قاسية على روسيا وشركاتها وعلى الرئيس بوتين شخصيا والقيادة الروسية. إلا أن المفاجأة أن السيناتور روبيو صوت ضد المساعدات العسكرية الإضافية لأوكرانيا بعد أن أصبح يدعم ترامب وأصبح مقربا منه. وهو الآن يدعو إلى حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، ومن أحاديثه القاسية اتجاه روسيا تحول روبيو إلى اتجاه معاكس وأصبح يدعو إلى السلام، ووعد إذا تم تعيينه وزيرا للخارجية بتنفيذ استراتيجية ترامب للحل السياسي وخطته وبرامجه بحرفيتها عبر الضغط على نظام كييف وعدم منح كييف أي فرصة للانضمام إلى الناتو.
أما بشأن إسرائيل، فإن روبيو يدعمها بلا شروط. كما أنه يأخذ موقفا سلبيا من الصين وإيران، ويعتبر أن التحالف الصيني الروسي الإيراني يشكل خطرا على الولايات المتحدة ومحاولة لتقويض دورها ومكانتها ويهدف إلى إضعافها. وهذه التناقضات في مواقف فريق ترامب ربما دفعت وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إلى القول إن بلاده لن تحكم على ترامب بالأقوال بل بالأفعال والممارسات الملموسة. كما أثار ترشيح ترامب المذيع التلفزيوني بيت هيغيست لمنصب وزير الدفاع تساؤلات كبيرة. ومع أن الرئيس بوتين أكد استعداده للحوار مع إدارة ترامب، إلا أن وزير الدفاع الجديد لا يريد الوصول إلى السلام عبر الحوار، وإنما يقول إنه يريد الوصول إلى السلام عن طريق القوة، وهو يدعو إلى قصف إيران، ولهذا يدعم إسرائيل بقوة وأعلن مرارا أن إسرائيل يجب أن تدمر غزة.
ومع أن نائب الرئيس دي جي فانس والمرشح لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) جون راتكليف يعرفهما الجمهور أكثر من غيرهم من الفريق الترامبي الجديد، إلا أن ما كان لافتا هو أن نائب الرئيس، وهو أصغر نائب رئيس في تاريخ أمريكا، يتبنى مواقف متطابقة مع ترامب ولديه رؤى اجتماعية محافظة، وهو يقف ضد المهاجرين غير الشرعيين ويرفض المثلية والإجهاض ويدعو لحياة اجتماعية عادية وطبيعية، ويدعو لحل سلمي للأزمة في أوكرانيا.
يحيى كوسا