قرار محكمة الجنايات الدولية بشأن أوامر اعتقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت أشاع حالة من الهستيريا في كيان الاحتلال. فقد هاجم نتنياهو المحكمة واتهمها بمعاداة السامية وهددها بالويل والثبور، فيما جاء الاتصال بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الحرب الصهيوني إسرائيل كاتس كمحاولة لامتصاص الصدمة وتأكيد التزام أمريكا الراسخ بأمن إسرائيل.
الحكم الذي أصدرته الجنائية بحق نتنياهو وغالانت يشكل نقطة ضغط جديدة على نتنياهو الذي يستعد لمواجهة معارضة داخلية متصاعدة ومتأهبة للإطاحة به وإرغامه على إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف العدوان على لبنان وإنهاء المجازر وحرب الإبادة، في وقت تستمر مهمة المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين التي تشق طريقها بصعوبة بعد أن عجزت إدارة بايدن المنتهية ولايتها عن تحقيق اختراق على جبهة لبنان كما عجزت عن إنجاز اختراق على جبهة غزة رغم مرور 423 يوما على عملية طوفان الأقصى.
وفيما يروج هوكشتاين لجولته المكوكية بين لبنان وإسرائيل، اعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن التقدم نحو اتفاق وقف إطلاق النار يسير بشكل إيجابي مشيرا إلى وجود خلافات بسيطة. فالمقترحات الأمريكية الثلاثة عشر لإنهاء الحرب على لبنان ترتكز على تطبيق القرار 1701، ولكن المقترحات تضمنت بندين لا يزال لبنان حكومة ومقاومة يرفضهما. الأول يتعلق بالمراقبة الجوية والثاني بلجنة الإشراف على تطبيق القرار 1701.
حكومة الاحتلال أصابتها فوبيا من قضية تسليح حزب الله، مع أن الأسلحة التي يستخدمها الحزب يقوم بتصنيع الكثير منها. كذلك تحاول حكومة الاحتلال قطع الاتصال بين الدول العربية بحجة منع المقاومة من الحصول على الأسلحة، إضافة إلى دعواتها للحصول على ضمانات بعدم تسليح حزب الله مجددا. هذا الأمر خارج نطاق تفكير أي إنسان عاقل، خاصة أن إسرائيل كيان يعتدي ويقتل، ومن حق المقاومة وفق القوانين والشرائع الدولية أن تدافع عن الأرض والسيادة، ولا يستطيع أحد أن يسلبها هذا الحق الطبيعي.
نبيه بري، رئيس مجلس النواب والمفاوض الرئيسي عن لبنان مع هوكشتاين، رفض أي تدخل عسكري إسرائيلي في الشؤون الداخلية اللبنانية أو المراقبة الجوية للأجواء اللبنانية. وأكد أن هذه المسألة محسومة، لأنها تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة وسيادة الدول. أما مسألة الإشراف على تنفيذ القرار 1701 وحال قوات اليونيفيل وانتشار الجيش اللبناني، فلا يزال الحوار والمناقشات حولها مستمرا لإيجاد طريق ما لتطبيق القرار من دون أن يحسم لبنان موقفه بعد، تاركا للمفاوضات مساحة أوسع رغم ضيق هامش المناورة لتجنب تفجير المفاوضات من الداخل.
ورغم استخدام واشنطن حق الفيتو لإسقاط قرار أممي يقضي بوقف الحرب في لبنان وغزة، وهو الفيتو الرابع منذ عملية طوفان الأقصى، فإن كل هذه المناورات والخداع الإسرائيلي والأمريكي لم يفت من عضد المقاومة، التي تواصل التصدي للعدوان والقتال، وترفض الاستسلام رغم كل عمليات القتل والتطهير العرقي وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني.
وزير الدفاع الأمريكي أشار إلى التزام الولايات المتحدة بالتوصل إلى حل في لبنان يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الحدود. لكنه شدد أيضا على تأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأمريكيون.
التأخير لا يخدم جهود هوكشتاين، إذ إن المفاوضات تجري تحت النار من كلا الطرفين، والوقت لا يسير لصالح وقف إطلاق النار لا في لبنان ولا في غزة. وقد أكد خليل الحية، المفاوض عن حركة حماس، أن الحركة لن تقبل بإطلاق الأسرى دون ضمان حقيقي بوقف إطلاق النار.
في الوقت ذاته، شكل الفيتو الأمريكي ضربة قاسية لجهود وقف إطلاق النار، مع عودة التظاهرات إلى تل أبيب بما يشبه حربا داخلية، مما يزيد الضغوط على نتنياهو مع اقتراب موعد انتقال السلطة في الولايات المتحدة واستلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم.
ومع أن نتنياهو وسموتريتش وبن غفير يمسكون بزمام الحكم في كيان الاحتلال ويقودون المفاوضات باتجاه المجهول، فإنه لا ضمانة على أن مهمة هوكشتاين يمكن أن تتكلل بالنجاح. اللافت في المشهد هو حدة الخلافات بين نتنياهو وزعيم المعارضة يائير لابيد، الذي اتهم نتنياهو بأنه لا يهتم بشيء ولا يعنيه إلا شخصه.