تحدث الدكتور محمود عبد السلام المحلل السياسي في مقابلة خاصة مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم عن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة، واصفاً إياها بنقطة تحول تاريخية واختباراً لمصداقية المحكمة. وأوضح أن هذا القرار لا يمثل مجرد إدانة للمتهمين، بل يعكس تحدياً للإملاءات الأمريكية التي طالما كانت توجه المحكمة وتستغلها لتحقيق مصالحها.
أشار عبد السلام إلى أن الولايات المتحدة، التي لم توقع على بروتوكول المحكمة ولا تعترف بها، لطالما دعمتها عندما كانت قراراتها تخدم أجندتها، كما حدث في مذكرات اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، تغير الموقف تماماً عندما أصدرت المحكمة مذكرة ضد رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، حيث تصاعدت نبرة العداء الأمريكية ضد المحكمة، وصولاً إلى تهديدات واضحة من الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات قاسية.
وأوضح عبد السلام أن المحكمة تواجه تحدياً غير مسبوق بسبب الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض مراراً لحماية الكيان الإسرائيلي في مجلس الأمن. لكنه أكد أن الأدلة القاطعة التي قدمتها جنوب إفريقيا، والمتعلقة بجرائم الإبادة والتجويع التي ارتكبها الاحتلال في غزة، وضعت المحكمة في موقف لا يسمح لها بالتراجع، خاصة مع الفظائع التي أودت بحياة أكثر من خمسين ألف شهيد وجرحت مئات الآلاف، إضافة إلى تدمير البنية التحتية وحرمان القطاع من المساعدات الإنسانية.
وعن طبيعة عمل المحكمة، أوضح عبد السلام أن الجنائية الدولية تختص بملاحقة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم أو إصدار الأوامر بتنفيذها، بخلاف محكمة العدل الدولية التي تنظر في النزاعات بين الدول. وأكد أن قرار المحكمة الأخير لا يقتصر على القادة السياسيين مثل نتنياهو وغالانت، بل يشمل أيضاً القادة العسكريين الميدانيين الذين نفذوا هذه الجرائم.
عبد السلام اعتبر أن هذا القرار يمثل إدانة صريحة للولايات المتحدة، التي تعد الداعم الأكبر للكيان الإسرائيلي. وأشار إلى أن واشنطن تجاوزت حتى قوانينها الداخلية، حيث أبرمت 99 صفقة سلاح مع إسرائيل بقرارات مباشرة من الرئيس الأمريكي، متجاهلة الاعتراضات داخل الكونغرس ومخالفة القوانين التي تمنع دعم الدول المتورطة في جرائم حرب.
وفي سياق آخر، تطرق إلى ما أوردته وزارة الداخلية البريطانية بشأن إمكانية اعتقال نتنياهو إذا دخل أراضي المملكة المتحدة. ورأى أن هذه الخطوة، على الرغم من رمزيتها، تعكس تزايد الضغوط الدولية ضد الكيان الصهيوني وداعميه.
اختتم عبد السلام حديثه بالتأكيد على أن استمرار هذا الإجرام الإسرائيلي لم يكن ليحدث دون الحماية والدعم الأمريكي. واعتبر أن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية يضع المجتمع الدولي أمام مفترق طرق، فإما أن يتخذ خطوات جادة لمحاسبة مرتكبي الجرائم، أو يواجه اتهامات بالتواطؤ والصمت أمام الجرائم ضد الإنسانية.