في ظل التوتر المستمر في منطقة الشرق الأوسط، تبرز إسرائيل مجددا كلاعب رئيسي يؤجج الصراع في المنطقة، خصوصا على خلفية قصفها لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى مقتل محمد رضا زاهدي وعدد من الدبلوماسيين. هذا التصعيد يظهر استمرارية في النهج العدواني الإسرائيلي تجاه سوريا الحليف الإيراني، ويضع المنطقة على شفا توتر متزايد.
توعدت إيران وحزب الله بالرد على هذه الهجمات، مما أثار حالة من التأهب الدولي نظرا لما قد تحمله هذه التوعدات من تداعيات. الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، وضعت “موعد” للرد الإيراني الذي كان متوقعا في نهاية شهر رمضان، ثم تم تمديده إلى نهاية الأسبوع، مما يشير إلى احتمالية تصاعد الصراع.
من جانب آخر، جاءت حادثة قتل باسكال سليمان، وهو مسؤول في حزب “القوات” اللبناني، لتضفي المزيد من التوتر على الوضع اللبناني الهش أصلا. الحادثة التي وصفت بالاغتيال السياسي، والتي نسبت إلى عصابة سورية، أثارت المخاوف من تجدد الفتن في لبنان وسط الأزمة الاقتصادية الراهنة والضغط الذي يمثله وجود اللاجئين السوريين الكبير. يبدأ التحليل دائماً بالبحث عن المستفيد الأكبر…
يرجح أن تكون وفاة باسكال سليمان نتيجة لعمل استخباراتي من قبل إسرائيل، بهدف زعزعة الاستقرار المتأرجح أصلا في لبنان ودفعه نحو صراع داخلي جديد. هذا التوجه يهدف إلى صرف انتباه حزب الله عن مواجهة إسرائيل بسبب انغماسه في الشؤون الداخلية للبنان. حزب الله، الذي يعتبر من أبرز حلفاء إيران في المنطقة وأقربهم إلى الأراضي الإسرائيلية، يمثل خطرا جلياً على إسرائيل. وجود تهديد على جبهتين، كما في الحالة مع حماس، يعد من المخاوف الكبرى لإسرائيل، خاصة أن المعارك السابقة مع حماس قد أظهرت تأثيرا ملموسا على أمن الكيان الصهيوني، هذا على الرغم من اكتفاء حزب الله حالياً بالمناوشات فقط.
التعقيدات الناجمة عن هذه الأحداث تحمل العديد من البعد الاستراتيجي والسياسي. فمن ناحية، تتضح رغبة إسرائيل في الحفاظ على موقفها العسكري القوي في المنطقة، خصوصا تجاه إيران وحزب الله، العدوين اللدودين لها. من ناحية أخرى، تظهر هذه الأحداث هشاشة الوضع الداخلي في لبنان، الذي يمكن أن يشكل نقطة توتر جديدة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
الموقف الأمريكي يتخذ طابعا حذرا، محملا إيران المسؤولية عن أي تصعيد قد ينجم عن ردها على هذه الأحداث. هذا الموقف يعكس الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، ولو كانت تخشى نفسها من اضطرارها للانجرار في حرب لمساندة حليفها وذلك قبيل الانتخابات المترقبة في البلاد. وتبدو محاولات الرئيس الأمريكي جو بايدن يائسة لجعل حليفه نتنياهو المتعطش للدم يرضخ لمفاوضات السلام وتجنب المزيد من التصعيد. فهو يعمل على استفزاز دول الجوار، فهو يستفز مصر بتوعده اجتياح رفح، ولبنان وسوريا بالاعتداءات المستمرة وحتى إيران. الولايات المتحدة على علم تام أنه في حال بلغ السيل الزبى لن تصمد إسرائيل أمام حرب متعددة الجبهات.
فهل يسعى الموساد إلى التخلص من أحد أهم التهديدات، من خلال زعزعة لبنان، بغرض أن يتمكن نتنياهو من الاستمرار بجرائمه بحق الشعب الفلسطيني دون الخوف من العواقب من جهة حزب الله؟