أصدر قاضي التحقيق، بناءً على طلب المدعي العام لوحدة جرائم الحرب الفرنسية، مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المخلوع بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم حرب، وكذلك بسبب مسؤوليته القيادية.
معتبرين أنه “بصفته رئيس دولة سابق، لم يعد بإمكانه المطالبة بحصانة شخصية، وأن حصانته الوظيفية لا يمكن اعتبارها قابلة للتطبيق في قضية تتعلّق بجرائم دولية تتضمّن جرائم حرب”.
وتأتي هذه المذكرة تتويجاً للتحقيق القضائي الذي بدأ في عام 2017 إثر شكوى تقدّم بها السيد عمر أبو نبوت، نجل الضحية صلاح أبو نبوت، الذي قُتل في هجوم نفذته القوات الحكومية السورية باستخدام البراميل المتفجرة على مدينة درعا في 7 حزيران 2017.
وانضم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى القضية كطرف مدني، مُسهماً في بناء ملف القضية وتقديم الأدلة والشهادات الداعمة.
وتعدّ هذه المذكرة هي الثانية من نوعها ضد بشار الأسد في فرنسا بتهمة التواطؤ في جرائم حرب (توجيه هجمات ضد السكان المدنيين عمداً وقتل أشخاص محميّين بموجب القانون الإنساني الدولي)، بعد مذكرة التوقيف الصادرة ضدّه في تشرين الأول 2023 في القضية المتعلّقة بالهجمات الكيميائية في آب 2013 بالغوطة.
وقال عمر أبو نبوت (نجل الضحية)، إن “هذه القضية تتويج لطريق طويل نحو العدالة التي آمنت وعائلتي بها منذ البداية.. نحن سعيدون بشكلٍ خاص بأن المدعي العام وقاضي التحقيق استجابا لمطالبنا ومطالب السوريين الضحايا”.
وأضاف “أبو نبوت”، أنه “نأمل أن تكون هناك محاكمة وأن يتم القبض على المسؤولين في نهاية المطاف ومحاكمتهم أينما كانوا، قضيتنا هي جزء من مسار العدالة الانتقالية في سوريا وجزء في منع مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب، محاسبة بشار الأسد أمام القضاء ستبعث آمالاً كبيرة لدى جميع الضحايا السوريين”.
وأثبت التحقيق أن “هذا الهجوم كان جزءاً من استراتيجية ممنهجة استهدفت المدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية، إذ قُتل أكثر من 2000 مدني خلال الغارات الجوية والبرية التي استهدفت درعا بين 3 و 17 حزيران 2017″، وفق “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
ولعب “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” دوراً محورياً في دعم التحقيقات القضائية، إذ قدّم للمحكمة أدلة وشهادات شملت صوراً ومقاطع فيديو وثقت الهجوم، بالإضافة إلى دراسات تحليلية حددت نوع الطائرة المستخدمة (طائرة حوامة نوع ME روسية الصنع) وموقع إطلاقها، والأسلحة التي استُخدمت (البراميل المتفجرة).
كما قدّم المركز معلومات مفصلة حول الهيكل القيادي للقوات المسلحة السورية، بما في ذلك سلسلة القيادة داخل سلاح الجو السوري، وآليّة إصدار وتنفيذ الأوامر القتالية.
وقال مؤسس ومدير “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، إنه “يتوجب على الحكومة الروسية تسليم بشار الأسد للعدالة، إذ لا يمكن القبول بمنح الحماية لشخص مطلوب للعدالة ومتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وتابع “درويش” إن “استمرار الإفلات من العقاب في سوريا يشكّل عائقاً أمام تحقيق الاستقرار ويهدد بإذكاء نزعات الانتقام، فمن الضروري اتخاذ خطوات حازمة لطي هذه الصفحة، وفتح المجال أمام مسار وطني للعدالة الانتقالية، يضمن سلاماً مستداماً ومستقبلاً أكثر عدلاً لجميع السوريين والسوريات”.
وتأتي مذكرة توقيف الجديدة بعد سلسلة من الإجراءات القضائية التي اتخذها القضاء الفرنسي بحق مسؤولين سوريين، فبين عامي 2023 و 2024، أُصدرت مذكرات توقيف دولية بحق 6 من كبار الضباط في سوريا على خلفية هذه الدعوى.
كما أصدر القضاء الفرنسي مامجموعه 14 مذكرة توقيف بحق كبار المتهمين من النظام السوري ومن بينهم بشار الأسد وماهر الأسد ووزيري الدفاع السابقين، بالإضافة إلى أحكام بالسجن المؤبد بحق كل من علي مملوك وجميل الحسن وعبد السلام محمود بتهمة التعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون، والتي تصل إلى رتبة جرائم ضد الإنسانية.
يُشار إلى أن “مذكرة التوقيف هذه تعدّ خطوة حاسمة جديدة في مكافحة إفلات النظام السوري السابق من العقاب”، بحسب ممثلة الأطراف المدنية في القضية، المحامية كليمانس بيكتارت.
و “توجد الآن 14 مذكرة توقيف تستهدف كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين السوريين، بما في ذلك بشار الأسد نفسه، صادرة عن القضاء الفرنسي، ويجب أن تصب هذه الخطوات في مصلحة السوريين الذين هم الأقدر على تصميم عملية العدالة الانتقالية التي كانوا يأملون في تحقيقها منذ سنوات عديدة”، وفق “بيكتارت”.