الرئيس بوتين يؤكد أن اقتراح موسكو للسلام في أوكرانيا لن يدوم طويلاً… وإدارة ترامب تبدأ أولى الخطوات للتعامل مع الملف الأوكراني… فهل تضيع كييف الفرصة من جديد؟
مع تدفق المقاتلين الشيشان وانضمام المزيد من المتعاقدين مع الجيش الروسي للالتحاق بجبهات القتال، وتقدم القوات الروسية على جبهات عدة وتحرير تسع بلدات جديدة خلال الأيام الماضية، فإن الأنظار تترقب التحول الكبير في الحدث الأوكراني بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وبدء الخطوات العملية لتنفيذ وعوده لإنهاء الأزمة في أوكرانيا بعد قرابة ثلاث سنوات من الحرب الطاحنة.
والسؤال: كيف سينهي ترامب الحرب في أوكرانيا في وقت لا تزال روسيا مصممة على تحقيق كامل أهداف العملية العسكرية الروسية في الدونباس، فيما تدعم كل من فرنسا وألمانيا وعموم الدول الأوروبية الموقف الأوكراني المتعنت؟
فالمواقف التي أعلن عنها ترامب نسفت بشكل كامل المقولات الأوروبية التي عمدت إدارة بايدن المنتهية ولايتها طوال السنوات الماضية إلى ترويجها حول ضرورة هزيمة روسيا، إلا أن ترامب كان دائماً يردد طوال الفترة السابقة: كيف يمكن لزيلينسكي أن يهزم روسيا التي هزمت نابليون وهتلر؟
ويبدو أن الفرصة الجديدة الناتجة عن رغبة ترامب إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا هي فرصة جدية، خاصة وأن إدارة ترامب بدأت فور استلامها اتخاذ سلسلة إجراءات على مستوى جميع المؤسسات الأمريكية، بما يؤكد التحول الكبير في الموقف الأمريكي في مقاربة الوضع في أوكرانيا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فقد عممت إدارة ترامب على المؤسسات الأمريكية هذا التحول الكبير وبدأت باتخاذ الإجراءات والقرارات العملية لتنفيذه، وقررت وقف وإنهاء عمل الموظفين المختصين بالملف الأوكراني في البيت الأبيض والبنتاغون ومجلس الشيوخ وجمدت عمل هؤلاء، في إشارة إلى هذا التحول الكبير في كيفية تعامل الجمهوريين بعد تنصيب ترامب مع ملف أوكرانيا.
ولا شك أن موقف ترامب وخياراته حول ضرورة إنهاء الصراع في أوكرانيا لكي لا يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، وبدء تنفيذ خطته لإنهاء الصراع، تسبب بحالة من اليأس والإحباط والعجز لدى نظام زيلينسكي، وبدأت تؤثر على سير المعركة وعلى قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب، خاصة وأن إدارة بايدن كانت تغرق أوكرانيا بكل ما تطلبه من أسلحة ومرتزقة وأموال. واليوم يتغير كل شيء وترامب يؤكد أنه يريد إيقاف الحرب ووقف نزيف الأموال الأمريكية ووقف الحرب التي تبدو في الظاهر صراعاً دامياً بين روسيا وأوكرانيا، ولكن في الواقع هي أشبه بحرب عالمية مصغرة في تداعياتها على أوروبا وانعكاساتها السلبية على الأمن والسلام الدوليين.
فالحرب المستمرة منذ قرابة ثلاث سنوات لم تكن لتستمر كل هذه المدة لولا تعنت زيلينسكي وإصداره مرسوماً يقضي بمنع الحوار والتفاوض مع روسيا لإرضاء إدارة بايدن المنتهية ولايتها. فيما أعلن ترامب مراراً وتكراراً أنه عازم على إنهاء الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط ومنع اندلاع حرب عالمية ثالثة.
ومع أن العلاقات بين موسكو وواشنطن كانت في أسوأ حالاتها خلال فترة إدارة بايدن، إلا أن الاتصال الهاتفي بين وزيري الدفاع الأمريكي لويد أوستن والروسي أندريه بيلاوسوف بعد الهجوم الإرهابي الأوكراني على مدينة سيفاستوبول في جمهورية القرم قبل أيام، يدل على أن التغيير في الموقف الأمريكي أصبح واقعاً وأن الاتصالات بين الجانبين الأمريكي والروسي تعود بعد أن كانت شبه مقطوعة منذ آذار عام 2023.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتحضر للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأشهر القادمة استبق أي خطوات أمريكية وأعرب عن ثقته بأن موسكو ستحقق كامل أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وأكد أن روسيا لا تطلب مساعدة من أحد لإنجاز ذلك، وشدد الرئيس بوتين على أن مقترح روسيا للسلام لن يدوم إلى الأبد، في إشارة مبطنة إلى الفرص السابقة التي أضاعها زيلينسكي بعد التوصل إلى اتفاقيات مينسك عام 2014 وبعد اتفاقيات إسطنبول في العام 2022 والتي تراجع عنها نظام كييف بدعم من الناتو والغرب ورفض تنفيذها وأصر على مواصلة الحرب تحت عنوان هزيمة روسيا، وهو ما لم يحدث بل كان العكس. فالانتصارات الميدانية الروسية وتحرير معظم أراضي الدونباس عزز موقف الرئيس بوتين في أي مفاوضات قادمة، ومع كل يوم يمر يزداد زيلينسكي ضعفاً وتكسب موسكو المزيد من الأراضي وتقترب من الحسم العسكري.
صحيح أن لتركيا والاتحاد الأوروبي علاقات متميزة مع نظام كييف وتأثيرات عديدة ودوراً متميزاً فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا، إلا أن طريقة تعاطي ترامب مع الملفات الدولية الساخنة وتعهداته والتزاماته بشأن هذا الصراع، بالإضافة إلى خلافاته العميقة مع الاتحاد الأوروبي بشأن مقاربة الوضع في أوكرانيا وعزمه اللقاء مع الرئيس بوتين وتحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن لمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة… كل هذا يجعل الأدوار التركية والأوروبية محدودة وغير قادرة على فرض الأجندات التي لا يوافق عليها سيد البيت الأبيض الجديد والتي لا يعيرها الرئيس بوتين اهتمامه، ما يعني أن هذه الأدوار التركية والأوروبية ستتراجع أمام قرار الحل الدبلوماسي الذي تم اتخاذه بتوافق روسيا والولايات المتحدة لإيجاد حل دائم ووقف الحرب الأوكرانية وفق مقتضيات الوقائع التي رسمت خارطتها الجديدة القوات الروسية وحددها الرئيس بوتين.
تحليل يحيى