بعد انحسار غبار الردِّ الإيراني على الاستفزازات الإسرائيلية ورفض حلفائها غير الرسميين لمساندة إسرائيل بشنِّ ضربة انتقامية على إيران، يبدو وكأن ثقة نتنياهو بإمكانية فعل ما يشاء تنحسر شيئًا فشيئًا. بدأت تظهر الأنباء عن تأجيل اجتياح رفح. لكن، ماذا وراء ذلك؟
الرواية الإسرائيلية الرسمية هي أولوية الرد على إيران، لكن على أرض الواقع، هو الرفض القاطع للحلفاء سواء في المشاركة في الرد على إيران أو دعم عملية اجتياح رفح، فحتى أمريكا، الحليف الأقرب للكيان الصهيوني، يرفض تأييد هذه العملية بل ويحذر من عواقبها.
لكن كما هو معروف، بقاء نتنياهو في السلطة مرتبط بشكل مباشر باستمرار الحرب، فتوقفها سيُعيد فتح دفاتر قضايا فساده والاحتجاجات الشعبية على سياساته، والتي حاليًا مشغولة بما يحاول نتنياهو فرضه وهو الخطر الوجودي على دولة الكيان.
الخطة المثالية للكيان الصهيوني والغرض الحقيقي من اجتياح رفح هو بالطبع تهجير مليون ونصف مليون فلسطيني إلى سيناء. فالكيان يحلم باستيطان قطاع غزة، وها ما تعارضه مصر بشدة وحذرت منه مرارًا على جميع المستويات.
من جهة، ستضطر مصر إلى إغلاق الحدود في حال حصول العملية البرية وإغلاق الحدود أمام المدنيين العزل تحت القصف الإسرائيلي الوحشي، فالكيان تتميز عملياته العسكرية بالإرهاب وجرائم الحرب، فلا تقف أمامه عوائق مثل المدارس والمشافي والمخيمات، خاصة مهما قتل ونكل بالفلسطينيين سيكتفي العالم بالتذمر قليلاً، دون حتى إدانة في مجلس الأمن! فقط قلق لا أكثر ولا أقل ودعوات “للتهدئة”.
هذا سيضع مصر في موقف خطر، من جهة عملية عسكرية على الحدود، من جهة أخرى أزمة إنسانية، إغلاق الحدود سيُفسَّر كتخلٍّ عن الأخوة الفلسطينيين، فتحها هو تكرار للنكبة ومليون ونصف لاجئ على أراضيها.
إيران من جهتها، بعد قيامها بضربتها على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخ، قالت إنها فقط البداية، ومستعدة لتكرار مثل هذه الضربة بعشرة أضعاف في حال “قيام الكيان الصهيوني بحماقات”. فيمكن أن تُفسَّر الحماقة باجتياح رفح، أو قيام إسرائيل بعمليات اغتيال جديدة لقادة إيرانيين سواء على الأراضي الإيرانية أو على أراضي سوريا أو العراق.
من جهة أخرى، وجهت إيران تهديدًا مبطنًا للأردن، فمن الأشياء التي لوحظت أثناء الهجوم الإيراني على الكيان هو قيام الأردن بالتصدي للمسيرات الإيرانية المارة فوق أراضيها، وهو ما لم يتوقعه أحد. فالأردن يزعم دعم القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يقوم بنفسه بالدفاع عن أمن الكيان الصهيوني؟ هذا الموضوع أثار الرأي العام العربي بشكل كبير.
فجحة الأردن كانت أنها تدافع عن مجالها الجوي من أجسام طائرة دخيلة، لكن يتساءل مراقبون: في حال ضربت إسرائيل إيران ومرت هذه الصواريخ فوق الأراضي الأردنية، فهل ستسقطها الأردن على غرار ما فعلته مع الصواريخ الإيرانية؟ فالصواريخ الإسرائيلية بهذا المنطق هي أيضًا أجسام طائرة دخيلة.
إيران وجهت تهديدات لأي دولة ستفتح مجالها الجوي أمام الاعتداءات الإسرائيلية على إيران، وخيارات مرور الصواريخ الإسرائيلية نحو إيران ليست بالكثيرة... إما الأردن أو سوريا. سوريا بالطبع ستبذل ما في وسعها لإسقاط الصواريخ الإسرائيلية المتوجهة نحو إيران، الأمر الذي لا يمكن ضمانه من الأردن. هذا قد يضع الأردن في مرمى إيران، فستعتبر هذه الحركة من الأردن عدوانية.
كل هذه العوامل تجعل الأفق ضبابيًا، الواضح أن المنطقة تزداد توترًا يومًا بعد يوم، بقاء نتنياهو في السلطة متوقف على استمرار الحرب. تصرفات نتنياهو المتهورة تضع الإقليم كله تحت النار، فإيران أرسلت لإسرائيل إشارة واضحة حول جاهزيتها للرد على أي عدوان. حلفاء نتنياهو معارضون لأي نوع من التصعيد، فهل هذا ما جعل نتنياهو يتأنَّى في اجتياح رفح؟ هل يقف عند حده؟
في حال أصر نتنياهو على تأجيج الوضع، فالمنطقة على أبواب حرب كبيرة وطاحنة، ستؤثر ليس فقط على المنطقة بل وعلى العالم أجمع. فإسرائيل لن تصمد لوحدها أمام القوى الإقليمية، وخير دليل على ذلك مشاركة الحلفاء في التصدي للضربة الإيرانية. انجرار الحلفاء في حرب الدفاع عن إسرائيل سيضعف بديهيتهم في أقاليم أخرى، فالولايات المتحدة عاجزة عن خوض حرب متعددة الجبهات، أما جبهات التوتر فقد أصبحت كثيرة. فعدا الشرق الأوسط هناك أوكرانيا، وهناك منطقة المحيط الهادئ وغيرها. أضف إلى ذلك الانتخابات الأمريكية المقبلة، وانجرار الولايات المتحدة لحرب جديدة في هذا الوقت سيضع الديمقراط في مأزق حقيقي وفرص ضئيلة للفوز على الجمهوريين.
المقال يعبِّر عن وجهة نظر الكاتب فقط