الرئيس ترامب احترم زيلينسكي واستقبله في البيت الأبيض… ولكن زيلينسكي لم يحترم نفسه.. وهاجم ترامب في عقر داره.
أبدى الرئيس الأوكراني زيلينسكي عدم الاحترام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس خلال لقائهم في البيت الأبيض، ورد على دعواتهما له بضرورة وقف الحرب بألفاظ حادة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متهمًا إياه بأنه من شن الحرب. ورفض زيلينسكي التلفظ بأي كلمة إيجابية تدعو إلى السلام، متجاهلا الموقف الأمريكي كليا دون أن يظهر أي امتنان للدعم الأمريكي الكبير لبلاده، ما فجر أزمة بين واشنطن وكييف انتقلت كالنار في الهشيم إلى أوروبا وسط حملات إعلامية عنيفة ومتبادلة بين طرفي المتوسط. في وقت استغل خصوم ترامب الديمقراطيون الحادثة لتجديد دعمهم للرئيس الأوكراني الذي حزم أمتعته وغادر أمريكا ذليلاً عن طريق بريطانيا….
وبينما دعا وزير الخارجية ماركو روبيو زيلينسكي إلى الاعتذار على إضاعة وقت الرئيس ونائبه، أشارت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد إلى أن زيلينسكي يحاول منذ سنوات جر الولايات المتحدة إلى حرب نووية مع روسيا وحرب عالمية ثالثة. فيما اعتبر عضو الكونغرس الأمريكي فيكتوريا سبارتز أن زيلينسكي أساء لشعبه بمشادته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسعيه لإرضاء الأوروبيين.
أما مفوضة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس فقد جددت تأكيدها دعم أوكرانيا رغم المشادة مع ترامب، وهو موقف يشاطرها فيه رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الخلافات التي كانت إلى حد ما شبه مخفية بين كييف وواشنطن ظهرت على العلن.. وخلال عشر دقائق من المشادة الكلامية بين الرئيس ترامب وزيلينسكي كان واضحًا أن الخلافات كبيرة وواسعة وحقيقية. فاتفاق المعادن النادرة لن يوقع كما يريد ترامب، والضمانات الأمنية التي يطالب بها زيلينسكي لإيقاف الحرب لن يحصل عليها أيضا، عدا عن توجيه ترامب ملاحظة على لباس زيلينسكي الذي تعامل مع الطروحات والأفكار الأمريكية باستهتار ووقاحة، ولم يعر الموقف الأمريكي الداعي إلى وقف الحرب في أوكرانيا أي اعتبار، ما فجر غضبا كامنا وقويًا لدى الرئيس ترامب ونائبه الذي أظهر براعة كبيرة في احتواء الموقف بين الرئيسين اللذين تبادلا الاتهامات دون وجود أي لغة مشتركة بينهما. حيث دعا فانس زيلينسكي ليشكر أمريكا على تقديمها المليارات من الدولارات، ولكنه لم يفعل، فاستشاط الرئيس ترامب غضبا ورفض أن يجري أي لقاء صحفي أو يتناول الغداء معه.
وبعد انتهاء الاجتماع العاصف بين ترامب وزيلينسكي، كان مقررا أن يلتقيا ثانية خلال الغداء ومؤتمر صحفي، إلا أن وزير الخارجية والأمن القومي الأمريكي زارا زيلينسكي وطلبا منه المغادرة دون مراسم، لتكون واحدة من السوابق السياسية التي لم تحصل، خاصة وأن ما جرى من مشادات كلامية ولمدة عشر دقائق كان متاحا للجمهور بعد عرضه مباشرة. وسواء كان ذلك مقصودا أم غير مقصود، فإن اللقاء أضر بشكل كبير بالعلاقات الأمريكية الأوكرانية، لأن زيلينسكي رغم أنه توسل لقاء ترامب ثانية كما ذكرت الصحف الأمريكية، إلا أن عنجهيته واستهتاره كانا واضحين وكبيرين تجاه الجانب الأمريكي. فلم يستمع لما يقوله ترامب ونائبه وهما يدعوانه ليشكر أمريكا، بل راح يقاطعهما برعونة ووقاحة دون أي احترام أو استماع، متبجحا بأن بلاده ستواصل الحرب وأنها قادرة رغم الصعوبات على تحقيق النصر على روسيا، رغم أن ترامب حذره مرارا من المقامرة بحرب عالمية ثالثة…
الرئيس ترامب يحاول إيقاف الحرب، وزيلينسكي يريد استمرارها، وأوروبا تريد استمرار الحرب. حيث عاد من واشنطن إلى بريطانيا، ومن المنتظر أن يحضر اجتماعا أوروبيا يناقش الوضع في أوكرانيا على غرار اجتماع باريس الذي دعا إلى تشكيل جيش أوروبي موحد.
وفي ردود الفعل على المشادة الكلامية الحادة بين ترامب وزيلينسكي، حاول الحزب الديمقراطي الخصم اللدود لترامب استغلال الوضع بعد فشل زيارة زيلينسكي ورفضه الاعتذار لترامب وعدم التوقيع على صفقة المعادن الثمينة. كما أعلنت باريس ولندن وقوفهما إلى جانب كييف، وهو موقف تتقاسمانه مع عدد من الدول الأوروبية التي بدأت تتململ وتطالب بوقف الحرب التي دخلت عامها…
نتائج زيارة زيلينسكي إلى البيت الأبيض ستظهر جليا ليس من خلال ما حصل بين زيلينسكي وترامب، وإنما سيكون لها انعكاسات سلبية جدا على العلاقات الأمريكية الأوروبية برمتها، خاصة في ضوء الدعوات الأوروبية لتسليح أوكرانيا وتشكيل جيش أوروبي جديد بدون الولايات المتحدة التي تعتبر هذه الدعوات ورفض زيلينسكي إيقاف الحرب مقامرة بحرب عالمية ثالثة، كما قال ترامب الذي وبخ زيلينسكي وطلب منه أن يكون أكثر “امتنانا”، قائلا: “أنت لست في وضع يسمح لك بأن تملي علينا ما يجب أن نشعر به”. أما نائبه جي دي فانس فقد اعتبر أنه من غير اللائق أن تأتي (يا زيلينسكي) إلى المكتب البيضاوي لتحاول مقاضاتنا أمام وسائل الإعلام الأمريكية”.
ستبقى كلمات ترامب التي وبخ بها زيلينسكي تخيم بظلالها على العلاقات بين واشنطن وكييف طيلة حكم ترامب الذي يبذل جهودا صادقة لوقف الحرب، فيما يدعم الاتحاد الأوروبي زيلينسكي، ما يشكل انتكاسة كبيرة للجهود الأمريكية التي باتت تعتبر أوروبا جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل.
ويبدو أن روسيا نجحت في أوكرانيا عسكريا وسياسيا، وهي تتجه لتقطف ثمار حربها الطويلة التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى ثمرة ناضجة. فما حصل في البيت الأبيض لا يعني زيلينسكي لوحده، بل يعني أوروبا كلها. والرئيس ترامب لم يطرد زيلينسكي من واشنطن، بل طرد أوروبا كلها. وليست محاولات وضع المساحيق وتجميل الموقف مفيدة، ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر.