شكل مؤتمر الحوار الوطني السوري محطة مثيرة للجدل بسبب الإشكاليات الهيكلية التي رافقته منذ مرحلة التحضير حتى إعلان توصياته. أوضح المحلل السياسي احمد يوسف أن المؤتمر فشل في تجسيد صفة “الوطني” بمعناه الحقيقي، إذ اقتصر على كونه تجمعة تشاورية مسرعة تفتقر إلى الشمولية والعمق. أشار يوسف إلى أن الفارق الجوهري بين المؤتمر التشاوري والوطني يكمن في مدى تمثيل الأخير لإرادة الشعب السوري وفقا لقرارات الأمم المتحدة، والتي تنص على ضرورة مشاركة جميع المكونات دون إقصاء. لكن المؤتمر الحالي، بحسب تحليله، جاء مغلفا بصبغة شكلية، حيث تمت الدعوة إلى انعقاده بشكل مستعجل، مع تحديد فترة زمنية قصيرة لا تتناسب مع حجم القضايا المطروحة.
أكد يوسف أن التوقيت المستعجل وعدد الأيام المحدود (الذي لم يتجاوز ثماني ساعات في بعض الجلسات) حول النقاشات إلى سلسلة من المداخلات السطحية، بدلا من حوارات معمقة قادرة على بلورة رؤية استراتيجية لبناء الدولة. وأضاف أن اللجنة التحضيرية التي أشرفت على تنظيم المؤتمر لم تحظ بقبول شعبي، نظرا لأن تشكيلها تم بمعزل عن إرادة المكونات السورية المتنوعة، حيث هيمن عليها طرف واحد، بينما اقتصر دور الآخرين على وجود شكلي، مثل إضافة سيدتين كمحاولة لتجميل الصورة دون إحداث تغيير جوهري. واعتبر أن هذه الخطوة تعكس انعدام الرغبة الحقيقية في إشراك الجميع، بل هي محاولة لخلق واجهة ديمقراطية زائفة.
من ناحية أخرى، انتقد يوسف إقصاء مكونات رئيسية من المشاركة، مثل الأكراد والتركمان، الذين أصدرا بيانات رسمية ترفض المؤتمر وتعتبره غير ممثل لهم. كما لفت إلى إغفال تمثيل الحراك الشعبي في السويداء، الذي طالب مرارا بضمانات دستورية تحمي حقوق المكونات. وأشار إلى أن إقصاء هذه الفئات لم يكن وليد الصدفة، بل يعكس رؤية ضيقة تتعامل مع المشهد السوري بمنظور أحادي، يتجاهل التنوع الذي يشكل جوهر الهوية الوطنية. وتساءل: “كيف ننتظر بناء دولة جديدة إذا كنا نستبعد من يختلفون معنا؟ الحوار الحقيقي يجب أن يجمع المختلفين، لا المتشابهين!”.
ولفت يوسف إلى أن الفترة الزمنية الممنوحة للجنة التحضيرية للتواصل مع مكونات المجتمع السوري كانت قصيرة بشكل غير مبرر، مما أدى إلى استبعاد فئات واسعة مثل النخب الثقافية ونشطاء المجتمع المدني من المحافظات النائية. وأكد أن هذا الإقصاء الممنهج ينسف أي فرصة لبناء توافق وطني حقيقي، خاصة أن المشاركين في المؤتمر لم يتم اختيارهم وفق معايير تمثيلية عادلة، بل اعتمدت على تزكيات من جهات محددة. وأضاف أن هذا النهج يعيد إنتاج نفس الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة السابقة، والتي أدت إلى تفاقم الأزمات بدلا من حلها.
ختاما أكد يوسف على أن المؤتمر فوت فرصة تاريخية ليكون منصة جامعة ترسي أسسا حقيقية لسوريا المستقبل. وبدلا من ذلك، تحول إلى فقاعة إعلامية عززت الانقسامات بدلا من رأبها، مما ينذر بعواقب قد تطول آثارها على المدى المتوسط والبعيد. كما دعا إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني شامل يضمن مشاركة جميع المكونات دون استثناء، ويتبنى آلية عمل طويلة الأمد تسمح بمناقشة القضايا المصيرية بعمق، بدلا من الاكتفاء بجلسات استعراضية تفتقر إلى الجدية.