الروسوفوبيا تنهش أوروبا التي ترقص حذلقةً على إيقاع الصداقة بين ترامب وبوتين… وزيلينسكي يصحو من غفلته ويأسف بعد فشل اجتماع لندن
تسارعت الأحداث على الساحة الأوروبية بعد ما جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، وتوالت التصريحات وردود الفعل حول المشادة الحادة بين الرئيسين، فازداد حنق ترامب واتسعت مطالبه، فيما ضاقت الدنيا بزيلينسكي بعد أن اكتشف أن أوروبا لا وزن لها بدون الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم يكن أحد يتوقع أن تبلغ الحماسة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس هذا الحد لوقف الحرب في أوكرانيا، حتى الروس أنفسهم تفاجأوا بسرعة ترامب وإدارته واستعجالهم لإنهاء الحرب الدائرة منذ الرابع والعشرين من شباط/فبراير عام 2022.
فبعد حادثة البيت الأبيض الشهيرة وعملية طرد زيلينسكي، تسارعت القرارات الأمريكية المتعلقة بأوكرانيا، وفي مقدمتها وقف إمداد أوكرانيا بالأسلحة. وهذا وحده كان كافياً لتجميد زيلينسكي ومنعه من الحركة، بعد أن ظل يرقص طوال السنوات الماضية على الحبال بين أمريكا وأوروبا، مستغلاً اندفاعة إدارة بايدن السابقة لتأجيج الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتكريس الروسوفوبيا في أوروبا…
وجاء خطاب ترامب الطويل أمام الكونغرس ليلقي المزيد من الأضواء على مجريات الشهر ونصف الشهر من أيام إدارته الجديدة. فقد كشف ترامب أنه تلقى رسالة قوية من زيلينسكي يعلن فيها استعداده للعودة إلى المفاوضات وتوقيع اتفاقية المعادن النادرة. وبموازاة ذلك، أعلن ترامب استعداد روسيا الدائم للسلام.
الرئيس ترامب أعلن أن ما أنجزه منذ العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي يعادل ما أنجزته الإدارة السابقة، وأكد تحصين حدود بلاده مع المكسيك، ودعا الكونغرس إلى تمويل “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي، والتي تُعد استكمالاً لحرب النجوم التي أعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي.
يغير ترامب أمريكا في الداخل… بالتزامن مع التغييرات الكبرى التي تشهدها الساحة الدولية والنظام العالمي. فالتحالف الأمريكي-الروسي وعلاقات الصداقة التي تربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس ترامب تفجر أزمات حقيقية في القارة الأوروبية العجوز، فيختلط الحابل بالنابل ويختل توازن القارة، حيث إن محاولات زيلينسكي الاستنجاد بهذه القارة بعد طرده من واشنطن باءت بالفشل الذريع، وسرعان ما اكتشف أن أوروبا بدون واشنطن عاجزة ولا ثقل عسكري أو سياسي لها أمام روسيا.
الصدمة السياسية التي نجمت عن عشر دقائق من السجال الحاد بين ترامب وزيلينسكي تتفاعل على جميع الأصعدة. فالجمهور اعتاد أن يستمع إلى مجاملات السياسيين وكلامهم المعسول ولغتهم الدبلوماسية الهادئة، إلا أن تجاهل ترامب لحلفائه في أوروبا كان بمثابة زلزال سينتج عنه تشكيل نظام عالمي مختلف عن الصورة النمطية التي كان البعض يتحدث عنها طوال السنوات الماضية.
فالعلاقات بين واشنطن وموسكو ستضعف الصين وأوروبا معاً، وستخلق فضاءً سياسياً عالمياً مختلفاً، خاصة بعد أن أتت التصريحات الأمريكية ضد زيلينسكي أوكلها بعد أن أطلق نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس تهديداته بأن زيلينسكي لن يتمكن من زيارة واشنطن ما دام يرفض مناقشة تفاصيل اتفاقية سلام لإنهاء النزاع في أوكرانيا.
وفيما يعود زيلينسكي إلى الحظيرة الأمريكية، فإن الساسة الروس يرسلون الرسائل الإيجابية ويطلقون تصريحات الإعجاب بسياسات ترامب، ويؤكدون استعدادهم للسلام واستئناف المفاوضات، وذلك بعد القرارات الجريئة والسريعة التي اتخذها ترامب، وفي مقدمتها منع تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية والحديث عن رفع جزئي للعقوبات عن روسيا، عدا عن الضغوط الهائلة التي تمارسها إدارة ترامب لإرغام زيلينسكي على التفاوض وفق خارطة الطريق الأمريكية لحل الأزمة، حيث تقضي الخطة أولاً بوقف سفك الدماء بين الطرفين، وتوقيع اتفاقية المعادن النادرة بين واشنطن وكييف، ومنع أوكرانيا من صناعة سلاح نووي أو الانضمام إلى الناتو. وهذا يعني أن انتصار روسيا أصبح قاب قوسين أو أدنى، لأنها ستحتفظ بالأراضي والأقاليم التي استعادتها خلال الحرب بكونها أراضٍ روسية.
خطاب ترامب الأطول في الكونغرس يسعى لتغيير العالم من منطلق أن خطط ترامب السياسية تستند إلى منظومة أفكار من خارج الصندوق السياسي الدولي المتعارف عليه. ومن هذه الأفكار التي لا يريد أحد تصديقها رغم أنها باتت حقيقة ماثلة: الصداقة التي تربط بين ترامب وبوتين، والتي تخيم بظلالها على السياسة الدولية اليوم، وبخاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط.