التحدي الكبير الذي واجه الرئيس السوري أحمد الشرع منذ استلامه الحكم في الثامن من كانون الأول الماضي كان التحدي الأمني. وكان النجاح الذي تحقق خلال الأشهر الماضية والتطمينات التي أطلقها خلال تصريحاته ولقاءاته تبعث برسائل إيجابية إلى الداخل والخارج، إلا أن ما حدث في الساحل السوري منذ القيام بحملة أمنية واسعة على منطقة الدعتور وأحياء مدينة اللاذقية، وما تبعها من أحداث وبخاصة الهجوم في بلدة عانا على قوات الأمن السورية، واستدعاء إدارة الأمن العام ووزارة الدفاع لتعزيزات كبيرة، ودخول المدن والبلدات في الساحل السوري (وبخاصة اللاذقية وطرطوس وجبلة) وما رافق ذلك من عمليات قتل غير منضبطة قامت بها عناصر متمردة وغير تابعة لوزارة الدفاع، كان كافياً لقلب الأوضاع وتغيير الصورة التي حاولت إدارة الشرع رسمها عن الوضع المستقر في سورية….
وجاء قرار روسيا باستضافة المواطنين الفارين من أعمال القتل في قاعدة حميميم ليؤكد أن القرار في روسيا جاء على أعلى المستويات، فلا يستطيع قائد القاعدة أن يمنح المدنيين الدخول إليها دون موافقة القيادة في موسكو. خاصةً وأن هذه الحماية كان لها صدى إيجابي واسع في وقت كانت وسائل الإعلام المختلفة تتحدث عن تجاوزات خطيرة، ما أثار ردود فعل متباينة. وفي الوقت ذاته، أصدرت العديد من الدول العربية بيانات لدعم قرارات القيادة السورية، وقام وفد من إدارة الأمن العام بزيارة قاعدة حميميم لإعطاء تطمينات للمواطنين السوريين للعودة إلى منازلهم.
ومع أن المواجهات انحسرت بنسبة 90% كما صرح مصدر أمني، إلا أن وزارة الدفاع واصلت إرسال التعزيزات العسكرية، وذكرت أن رتلاً من إدلب اتجه إلى اللاذقية للمساهمة في إعادة الأمن إلى المنطقة. فيما دعا الرئيس أحمد الشرع في كلمة له خلال صلاة الفجر في جامع الأكرم بالمزة المواطنين إلى الاطمئنان، واعتبر أن ما حدث كان متوقعاً، ودعا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. في الوقت ذاته، راحت قوات الأمن ووزارة الدفاع ترسل الرسائل الإيجابية إلى الداخل والخارج لمنع التجاوزات ومحاكمة المتورطين.
في المواجهات، بعد أن تحولت مناطق الساحل السوري وأجزاء من أرياف حماة وحمص إلى ساحة حرب حقيقية، فيما ساد الرعب والخوف أبناء الساحل السوري في دمشق العاصمة بعد أن قام عشرات المتمردين بترويع الأهالي في عدد من أحياء دمشق، وقاموا بتكسير عشرات السيارات وإطلاق شعارات طائفية في عدد من الأماكن التي يقطنها أغلبية من أبناء الساحل.
ومع أن إدارة الأمن العام كانت ترسل تعزيزات إلى هذه المناطق لمنع التجاوزات، إلا أن الحكم الجديد لم يتمكن من السيطرة على المتمردين، وبقيت الصورة غامضة حول قدرة قوات الأمن والجيش على الإمساك بزمام الأمور ومنع التجاوزات والمتمردين من ارتكاب الجرائم.
وفيما أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع حسن عبد الغني أن قوات الوزارة أعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت اعتداءات غادرة ضد رجال الأمن العام، داعياً جميع الوحدات المقاتلة إلى الالتزام بتعليمات القادة العسكريين والأمنيين وعدم المساس بأمن المدنيين، فقد أشار مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي إلى أنه سوف تتم محاسبة كل من يثبت تورطه في الاعتداءات سواء من فلول النظام أو من اللصوص والعابثين بالأمن، وستتخذ كامل الإجراءات القانونية بحقهم.
ومن المقرر أن يكون الوضع الأمني في سورية في صلب الحوارات والنقاشات التي سيجريها المسؤولون في الأمن والخارجية في دول جوار سورية، والذين يجتمعون في الأردن من أجل بحث قضايا الأمن الإقليمي والإرهاب والمخدرات، وهم رؤساء الاستخبارات والأركان في سورية والأردن والعراق ولبنان، بالإضافة إلى تركيا، وفق صيغة “أربعة زائد واحد”، حيث تحاول تركيا لعب دور كبير في الملف السوري من خلال علاقاتها القوية مع الإدارة السورية الانتقالية، رغم وجود قوى دولية عديدة منافسة لها كالولايات المتحدة التي تدعم الأكراد في الجزيرة السورية، وروسيا التي تحتفظ بقاعدتين عسكريتين في حميميم وطرطوس، وإسرائيل التي احتلت مناطق واسعة في جنوب سورية. حيث أعلنت تركيا اهتماماً لافتاً بالوضع في سورية، وطالب مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أحمد يلدز مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة ضد تصرفات إسرائيل التوسعية والمزعزعة للاستقرار في سورية. وفيما يعد التصرف التركي منذ سقوط نظام بشار الأسد بمثابة تجاهل للدور الروسي ومحاولة لاستبعاد روسيا من المشهد السوري، إلا أن لجوء المواطنين السوريين إلى قاعدة حميميم أعطى رسالة واضحة إلى تركيا بشكل خاص بأن أهدافها مكشوفة ومطامعها بالأراضي السورية واضحة، وأن السوريين لا يثقون بالحكومة التركية. كما أن المطامع التركية تتصادم مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن شرق البلاد، وبذلك فإن تركيا – ليس كما يتصور الكثيرون – تمتلك النفوذ الأكبر في سورية، ذلك لأن تعاون روسيا والولايات المتحدة في الملف الأوكراني ربما ينعكس على الملف السوري أيضاً. فالتحالف القوي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، واتفاقهما على حل جميع القضايا والملفات الدولية المعقدة سلمياً وتخفيف حدة التوترات الدولية، سينعكس سلباً على دور تركيا، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الوضع في تركيا نفسها إذا ما تجاوز مشروعها التوسعي حدود زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وتوسيع نفوذها على حساب الآخرين وأدوارهم الجديدة وفق الخارطة الجديدة التي يتم تركيبها ورسمها للمنطقة بعد سقوط نظام الأسد.
الأوضاع الأمنية في سورية خطيرة وعصيبة، والسوريون نسوا جوعهم وعطشهم ومعاشهم، وراحوا بكليتهم يتبادلون الاتهامات ويتراشقون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد الحوادث الأمنية التي شهدها الساحل السوري، والتي أودت بآلاف المواطنين المدنيين الذين كانوا ضحية التجييش الطائفي المتصاعد، والذي تقف وراءه جهات دولية وإقليمية لا تريد الخير لسورية وأهلها.