موسكو وأوكرانيا.. تبادلان في إسطنبول أوراقا تتضمن شروط وقف إطلاق النار وإنهاء النزاع.. وأردوغان يعمل لقمة رباعية روسية أمريكية أوكرانية تركية…. فهل ينجح؟
يكاد صبر الرئيس الأمريكي ينفد بعد فشله في إيقاف الحرب بين روسيا وأوكرانيا كما وعد قبل أشهر بسبب تعنت زيلينسكي وإصرار واشنطن على استبعاد أوروبا من المشاركة في أي مفاوضات لحل الأزمة في أوكرانيا.
وربما هذا الموقف الأمريكي أدى بطبيعة الحال إلى كسب المزيد من الرضا الروسي وأدى إلى اتساع الهوة بين روسيا والاتحاد الأوروبي وإلى إغضاب أوروبا وبخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا التي أعلنت دعمها للهجوم الواسع الذي قامت به القوات الأوكرانية بواسطة الطيران المسير على عدد من المطارات في العمق الروسي بالتزامن مع انعقاد جولة المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول بوساطة تركيا ومشاركة خبراء من الدول الأوروبية بشكل غير مباشر….
السؤال اليوم بعد الهجوم الأوكراني الواسع والذي وصفته موسكو بعد اجتماع الرئيس بوتين مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي بأنه هجوم إرهابي وأكدت بشكل واضح أنها ستقوم بالرد باعتباره هجوما إرهابيا….
وعلى إيقاع التهديد الروسي والتصعيد الأوكراني المتواصل يبدو أن مفاوضات إسطنبول باتت تشكل بارقة أمل جديدة حيث نجحت تركيا بجمع الوفدين وإجراء مفاوضات هامة حيث تمكنت تركيا على ما يبدو من معرفة مطالب كلا الجانبين. وبناء على نتائج جولة المفاوضات في الثاني من تموز دخلت تركيا بقوة على خط الوساطة بين موسكو ونظام كييف وذلك رغم الهجوم الأوكراني الواسع ورغم تهديدات ترامب بالانسحاب من المفاوضات في حال استمر زيلينسكي بتعنته ورفضه اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار.
السفير الأمريكي في أنقرة توم باراك أكد أن تركيا أثبتت من خلال مفاوضات إسطنبول قدرتها على جسر الهوة بين موسكو وكييف وعلى لعب دور رئيسي في المفاوضات.
وأعلن باراك بأن أنقرة قد تتمكن من تنظيم اجتماع رباعي يضم قادة الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وأوكرانيا لحل النزاع الأوكراني….
وكان لافتا إصرار تركيا ورئيسها طيلة الأشهر الماضية على استضافة القمة الروسية الأمريكية بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وقد أعرب أردوغان مجددا عن رغبة بلاده باستضافة هذه القمة وقال إنه سيواصل بذل جهوده خاصة وأن جولة المفاوضات حققت المرجو منها حيث تبادل الوفدان خلال اللقاء الأوراق التي تتضمن رؤيتي الطرفين للمذكرة حول شروط وقف إطلاق النار وإنهاء النزاع.
ولاحقا أكد رئيس الوفد الروسي في إسطنبول فلاديمير ميدينسكي أنه التقى مع رئيس الوفد الأوكراني رستم عميروف قبل انطلاق المفاوضات.. وأشار إلى أن اللقاء مع عميروف لعب دورا هاما في التحضير للجولة العامة”.
وهكذا فإنه لا يمكن أن نتحدث عن مطالب روسية أو أوكرانية خاصة وأن أطرافا عديدة تدخل في صلب النزاع وبخاصة أوروبا التي تحمل السلم بالعرض وتعادي روسيا جهارا نهارا وترفض وقف إطلاق النار وربما يجبرها على التراجع عن هذا الموقف الوضع الميداني وما يحققه الجيش الروسي من نتائج حاسمة في ساحات القتال كما يتعلق بالموقف الأمريكي وبما تحققه روسيا من مكاسب ميدانية رغم الهجمات الأوكرانية مع إصرار الرئيس بوتين على تحقيق كامل أهداف العملية العسكرية الخاصة في الدونباس حيث تسعى مع الرئيس ترامب على إيقاف الحرب غير أن زيلينسكي لا يزال يرفض ذلك والجميع يتذكر المواجهة بينه وبين الرئيس ترامب في البيت الأبيض قبل أشهر عندما اتهم روسيا وحملها المسؤولية عن استمرار الحرب وفضيحة طرد زيلينسكي من البيت الأبيض ستبقى في الأذهان..
ويبدو أن الضربة التي وجهتها أوكرانيا إلى روسيا قبل ساعات من استئناف المفاوضات المقررة في إسطنبول برعاية تركيا مستهدفة عدة مطارات في العمق الروسي لن تجعل نظام كييف أحسن حالا لا في الميدان ولا في السياسة مما هو عليه قبل توجيه هذه الضربة التي أكدت موسكو أنها ستنتقم….
ومع أن توقيت الهجوم يحمل معنى ومغزى ورسالة أيضا إلى الرئيس الروسي شخصيا مفادها أن الثالوث النووي الذي يعد فخر ورمز روسيا وقوتها سيكون دائما هدفا لأوروبا كلها وليس لأوكرانيا التي بات الجميع يعلم أنها تحارب نيابة عن أوروبا وهذا واقع عكسته التعليقات والتصريحات الأوروبية بعد الهجوم الإرهابي على روسيا وصولا إلى سيبيريا وبخاصة التعليقات البريطانية والفرنسية ضد روسيا في محاولة لكسر وتحطيم الدب الروسي الذي أبدى جسارة منقطعة النظير في ضبط الأعصاب والتصرف حتى الآن بحكمة ليمنح المفاوضات بوساطة تركيا فرصة للنجاح وهي المفاوضات التي ينتظر نتائجها الشرق والغرب.
وربما جاء رد الفعل الأمريكي أكثر صلابة تجاه أوكرانيا من رد الفعل الروسي فالرئيس ترامب ينتظر نتائج هذه الجولة ليقدم الأوكرانيون مقترحاتهم للحل وإذا لم يفعلوا فإن الرئيس ترامب سينسحب من عملية التفاوض كما قال الخبير الأمريكي راي ماكغفرن الذي أشار إلى مواصلة نظام كييف في المماطلة في تقديم مذكرة تفاهم خلال محادثات إسطنبول.
ومع استمرار التصعيد الميداني على جميع الجبهات ويستمر زيلينسكي في المماطلة فقد أبدت موسكو من جانبها موقفا متوازنا وجديا وأعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف إن الوفد الروسي مستعد لتقديم مذكرة تفاهم إلى الجانب الأوكراني بشأن التسوية خلال الجولة الثانية من المفاوضات في إسطنبول.
ورغم التنمر الأوروبي ورفض فرنسا وألمانيا وبريطانيا على وجه الخصوص للمقاربة التي ينتهجها الرئيس ترامب اتجاه الحرب الأوكرانية ودعوته لوقف الحرب إلا أن الأوراق التي يمتلكها لا تزال حاسمة ومفعولها أكيد بالنظر إلى قوة تأثير الولايات المتحدة ليس على أوكرانيا وإنما على أوروبا أيضا.