
في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو عبر أثير إذاعة فيرجن إف إم، وبمناسبة مرور عام على النصر والتحرير، قدّم المحلل السياسي الدكتور سليم خراط، عضو الهيئة الرئاسية للتحالف الوطني الديمقراطي السوري، تقييماً مفصلاً لأداء السلطة على الصعيد الداخلي، مسلطاً الضوء على فجوة بين إصلاحات شكلية وتحديات بنيوية عميقة، مع تحذير من استمرار ثقافة الفساد والتجاوزات.
في بداية هذا الحوار الخاص، كشف خراط عن رؤيته للأداء الداخلي، معتبراً أن “الأخطاء لا تزال مستمرة”، رغم وجود بعض الإصلاحات هنا وهناك. وأشار إلى خطوة رمزية تمثلت في إنهاء استخدام مصطلح “شيخ” في مؤسسات الدولة بعد زيارة الرئيس الشرع إلى أمريكا، كاشفاً عن معلومات تؤكد إلغاء هذه الكلمة، مما يعكس حرصاً على صياغة خطاب دولة حديثة.
على صعيد الأداء الحكومي، أشاد خراط بالديناميكية والحيوية في التعامل مع الساحة الوطنية، قائلاً: “نحن نتعامل وطنياً من خلال احترامنا لبعضنا البعض”. لكنه سرعان ما انتقل إلى التحذير من منطق الحكم الأحادي، مؤكداً أن “اللون الواحد لا يبني دولة”، وأن بناء الدولة يحتاج إلى مجتمع متكامل ومكونات متنوعة كما كانت سابقاً. ووضع السلطة في إطار مرحلة جديدة، واصفاً إياها بــ “السلطة الإسلامية المعتدلة والمقبولة وفق التصنيف الأمريكي”، لكنه نبه إلى ضرورة الاعتبار مما جرى في مصر واعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
في تحليل أداء المؤسسات، سجل خراط وجود “تجاوزات كبيرة وخرق في الكثير من المواقع”، مذكراً بخلل مخيف على مستوى من يسمون أنفسهم “حجاج”. ودعا إلى ضرورة السير بخطى ثابتة على أرض صلبة لبناء الدولة، منتقلاً إلى قضية العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين. وأكد أن تركة 65 عاماً لا يمكن إلغاؤها في سنة واحدة، وأن سورية لا تزال في حالة اضطرابات داخلية. وانتقد ثقافة “أعطيني مصاري” السائدة، معرباً عن أمله في تغيير العقول “الباطونية” التي صنعها النظام السابق إلى عقول متحركة. وفي هذا السياق، أشاد بالعمل الجاري لتنظيف مجرى نهر بردى وإعادته إلى سابق عهده بفروعه السبعة، معتبراً هذا المشروع “خطوة جبارة” لم تتم منذ أربعين عاماً.
وحول موضوع الفساد، اعتبر خراط أنه تحوّل من سياسة ممنهجة في النظام السابق إلى واقع خطير اليوم، حيث أن بعض من كانوا في الثورة وانضموا للمؤسسات صاروا يرتشون. وطالب بمراجعة القصر العدلي للوقوف على حجم التجاوزات، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود أشخاص في الدولة مؤمنين بالتغيير ويعملون بجد لبناء الدولة بشكل سليم.
وعن الانتقال من حالة الثورة إلى منطق الدولة، أكد خراط أن الرئيس الشرع “ليس ملاكاً” وأنه يحتاج إلى تعاون متكامل إلى جانبه. وانتقد المماطلة في الدعم الخارجي، سائلاً: “كم مليار أعطتنا هذه الدول من أجل الإصلاحات؟”، ومتحدياً أي دولة أن تقدم ملياراً لدعم سورية. ودعا إلى الاعتماد على الذات واستقطاب رجال الأعمال السوريين المقتدرين في الخارج، مذكراً برجل أعمال سوري يحمل الجنسية الفرنسية وعد بتقديم 10 مليارات وهبة كهرباء مجانية لسورية، وتساءل عن أسباب عدم استضافته. وأكد أن عودة مثل هؤلاء ستمكن سورية من فرض شروطها والدفاع عن مصالحها دون عجز أمام مطالب الدول الأخرى.
وعن عقبة العقوبات، أكد خراط أن “البيروقراطية العالمية” تلعب دوراً في تعطيل إعادة البناء. وعلق على تقرير منظمة العفو الدولية الذي أشار إلى غياب الديمقراطية بالقول: “الديمقراطية لا كانت في الماضي ولن تكون اليوم… وهذا واقع”. ووجه حديثه للإعلامي إياد إبراهيم قائلاً: “أنت في حياتك ما شفت الديمقراطية… ولا البعثيين أنفسهم”، مؤكداً أن السوريين اليوم يريدون الاستقرار والعدالة والمساواة.
وعن أحداث الساحل السوري، اعتبر خراط أنها تحولت إلى كارثة وطنية تؤكد وجود العامل الخارجي، لكنه أكد أن الشعب كله – علويين وسنة ودروز وأكراد – مع مطلب العدالة. وطالب السلطة بفهم أن جميع المكونات السورية هي من صنع سورية، ودعا إلى تجريم الخطاب الطائفي، مستشهداً بالتجربة السعودية في فرض عقوبات على من يثير النعرات الطائفية.
وحول عملية “بيت جن” الإسرائيلية، اعتبر خراط أن إسرائيل تتصرف في سورية “بحربتها” وتظن نفسها قادرة على فعل كل شيء، محتلة الأراضي ومتلاعبة بالعلاقات مع المكونات. وأشار إلى أنه وقف في البيت الأبيض وتحدى لإقامة علاقة عادلة مع إسرائيل تضمن السلام، لكنه حذر من تمرد إسرائيل على السياسة الأمريكية والدولية، مطالباً واشنطن بلجم هذا التمادي “وإلا فإن المنطقة التي تعد أساس استقرار العالم ستتفجر”.
وأخيراً، ربط خراط بين تعزيز الشعور الوطني والوضع الاقتصادي، قائلاً: “اجعلني مرتاحاً في حياتي لكي تعرف أنك تقوم بانتهاج سياسة جيدة”. واختتم متحدثاً عن رهان الرئيس الأمريكي السابق ترامب على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ونقله عن ترامب قوله إنه “يؤمن أن الرئيس الشرع إنسان قوي وقادر على تحقيق ذلك”. واعتبر خراط هذا الاعتراف “إعجازاً إلهياً”، لأن المنطقة “بركان العالم كله”، مؤكداً أن الشارع السوري تعلم كثيراً وأن المواطن السوري، بكل فئاته، ينشد الاستقرار فوق كل شيء.
ويبقى التحدي الأكبر للسلطة هو كيف تحوّل هذا الشعب المتعطش للاستقرار والعدالة إلى قوة دافعة لعملية البناء، في ظل أخطاء مستمرة وفساد متجذر وتحديات خارجية هائلة.

