تشعر حكومة بنيامين نتنياهو بالقلق إزاء قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات ضد كتيبة تابعة للجيش الصهيوني. وقد وافقت إدارة الرئيس جو بايدن على تطبيق إجراءات حظر ضد كتيبة “نيتساح يهودا”، وهي إحدى الوحدات التي يعمل فيها يهود متشددون. والسبب هو انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية. وهذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها واشنطن قيودًا ضد وحدة تابعة لجيش العدو.
يأتي كل هذا على خلفية التصعيد الذي تشنه إسرائيل باعتداءاتها المتكررة على الأراضي والبنى التحتية السورية واللبنانية والاغتيالات.
إن نظرنا إلى تطورات الأحداث الأخيرة، سنلاحظ أن حلفاء الكيان الصهيوني تبرؤوا منه في حال حاول الرد على الهجوم الإيراني. وهذا أمر يمكن اعتباره غير مسبوق.
جو بايدن على يقين تام بأن حليفه المجنون نتنياهو يقوده إلى حرب كبرى، هو ليس أهلاً لها عمومًا وقبل الانتخابات المرتقبة خصوصًا. ويبذل أقصى جهوده لتجنبها. وعلى ما يبدو بدأت إجراءات الضغط الشكلي.
وكان موقع “أكسيوس” أول من نشر خبرًا يفيد بأن كتيبة “نتساح يهودا” ستخضع للعقوبات الأمريكية. ووفقًا له، قررت الإدارة الرئاسية الأمريكية منع أفراد الوحدة الأرثوذكسية المتشددة من تلقي أي مساعدة عسكرية، حتى التدريب، من البنتاغون.
من الواضح أن الحرب في قطاع غزة لا تمثل بالنسبة للإدارة الأمريكية سياسة خارجية فحسب، بل تمثل أيضًا عاملًا سياسيًا داخليًا”، كما قال أنطون مارداسوف، الخبير المستقل في شؤون الشرق الأوسط لـ “إن جي”. – على سبيل المثال، يعتقد مؤيدو الدعم غير المشروط لإسرائيل أن تصريحات جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس، في شباط/فبراير الماضي، بأن إسرائيل تبالغ في رد فعلها، لم تكن تعبيرًا عن تقييمات براغماتية لمسار الأعمال العدائية بقدر ما كانت محاولة للعب في معسكرين وكسب دعم الجاليات العربية في ميشيغان ومينيسوتا”.
كما أن ما يفعله الكيان الصهيوني من جرائم حرب في قطاع غزة حيث قتل إلى اليوم ما يزيد عن 30 ألفًا من المدنيين في غزة، من بينهم أكثر من 10 آلاف طفل، والقصف المستمر للأراضي السورية واللبنانية أجج الرأي العام في الولايات المتحدة.
تستمر التظاهرات ضد جرائم الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة من بينها مظاهرات الطلاب الجامعيين في مختلف الجامعات. والجدير بالذكر أن الديموقراطيين يعتمدون على ناخبيهم المسلمين بشدة، لكن على خلفية عجز جو بايدن عن ردع نتنياهو أو حتى إدانة جرائم نظامه يجعل موقف الديموقراطيين في الانتخابات المقبلة والتي هي صعبة أساسًا أكثر عسرًا.
فعلى ما يبدو، أن فكرة “فرض عقوبات” على كتيبة واحدة في الجيش الصهيوني ما هو إلا محاولة بائسة لاستمالة الناخبين المسلمين في الانتخابات المقبلة. هي تبدو كإجراءات شكلية لا أكثر ولا أقل، وأكثر كرفع عتب ومحاولة استمالة الرأي العام المؤيد للفلسطينيين. برأيهم، هي كتيبة واحدة فقط من تقوم بالجرائم؟ يُفترض أن يُصنف الجيش الصهيوني بحد ذاته كمنظمة إرهابية منذ تأسيسه، إذ كان اعتماده دومًا على الوسائل الإرهابية ليس فقط على الأراضي المحتلة، بل وخارجها. أما حقيقة أن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيل بشكل تام سواء على الأرض أو في المحافل الدولية، ولا تعطي أهمية قط لحماية المدنيين من جرائم الاحتلال أو حتى إدخال المساعدات الإنسانية لهم، ربما تعتقد إدارة بايدن أن هكذا إجراء شكلي سيجعل الناخبين ينسون كل ذلك.
عمومًا، لا يهم كثيرًا من يجلس في البيت الأبيض، فالقوى السياسية الأمريكية، مهما كانت، ستكون مؤيدة لإسرائيل، ومهما كانت الإدارة في البيت الأبيض، ستعرقل أي قرار أممي قد يدين إسرائيل ولو بشكل بسيط. وازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية أصبحت مرئية ومسموعة بشكل تام. ففي مجلس الأمن الدولي، حين استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو لنقض قرار يدين قصف الكيان الإسرائيلي للسفارة الإيرانية بدمشق، علق المندوب الدائم لروسيا نيبيزا على هذا على أنه “استعراض للنفاق والمعايير المزدوجة”. فهذا خرق واضح وضوح الشمس لميثاق الأمم المتحدة، لكن هناك من فوق القانون.
فهل الحل هو في النظام العالمي الجديد، الذي يحاول بناؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع لاعبين آخرين رئيسيين على الساحة الدولية؟ لا بد من تبلور المحور الجديد لإيقاف تمادي حفنة من الدول الاستعمارية، والتي ما زالت تظن أن العالم ملك لها ويجب أن يعيش على قواعدها وقيمها المنافقة.