طرابلس الغرب عروس المتوسط، العاصمة الليبية، لا تزال رهينة وأسيرة لأكثر من 13 سنة لدى الميليشيات بشتى أنواعها، من المؤدلجة التي أسسها وموَّلها الإسلام السياسي بزعامة تنظيم «الإخوان»، عندما كان في سلطة المؤتمر الوطني؛ حيث تشكَّل المؤتمر «الوطني» (أول برلمان) من خريجي كهوف تورابورا في غفلة من الزمن، وتضليل الناس في الانتخابات بصورة المظلومية التي كان يروِّج لها الإسلام السياسي، وأنهم الأصلح بعد سقوط الديكتاتوريات في مصر وتونس وليبيا؛ حيث سيطر «الإخوان» في ليبيا على الحكومة؛ سواء بوزير أو وكيل. ففي جميع الوزارات كان لهم نصيب، لدرجة أن وكيل وزارة الدفاع كان أحد الأفغان الليبيين؛ بل وقائد الجناح العسكري للجماعة الليبية المقاتلة فرع «القاعدة» الليبي؛ بل سلَّح الميليشيات بأسلحة حديثة عام 2013، عندما سمح مجلس الأمن بتوريد أسلحة للجيش الليبي انتهت في مخازن الميليشيات، وكيف ووكيل وزير الدفاع كان من سكان كهوف تورابورا السابقين!
إلى متى ستظل طرابلس الليبية تعاني من وضع مزرٍ صعب، بسبب سيطرة الميليشيات عليها؟ فالمدينة تتقاسمها مجموعات مسلحة متناحرة، ولم تتمكَّن السلطات الرسمية المتعاقبة منذ 2011 من استعادة السيطرة بشكل كامل؛ بل أصبحت رهينة للميليشيات وتحت سطوة الابتزاز.
الوضع الحالي في الغرب الليبي وخصوصا وضع القوات التركية وتواجد أنقرة في طرابلس ومصراتة بقوة، سيزيد من تركيز تركيا على الملف الليبي، مما سيأثر لا محالة على سوريا.
كما نعلم، فإن تركيا لا تزال متواجدة في سوريا وتحاول بكل قوة الحفاظ على مكانتها ودعمها للميليشيات والمعارضة السورية.
في الآونة الأخيرة زادت أنقرة من وتيرة نقلها للمرتزقة السوريين من سوريا الى ليبيا بعد احتدام المواجهات بين الميليشيات في طرابلس، بعد أن كانت تنقلهم منذ اقل من سنة الى اوكرانيا لقتال روسيا. الوضع الحالي في ليبيا سيؤثر على التواجد التركي في سوريا وسينقل كل تركيز القوات التركية من سوريا نحو ليبيا.
تنشط الميليشيات في ليبيا في المناطق الحضرية أكثر من المناطق البدوية؛ حيث لا تجد لها مأوى عند القبائل، بينما في المدن الحضرية تفرض نفوذها بشكل قوي، والسكان الذين يعيشون في حالة من عدم الاستقرار والخوف الدائم، فالوضع الأمني في المدينة متأزم بسبب القتال المستمر والمتكرر بين الميليشيات على مناطق النفوذ، وتقاسم ابتزاز الوزارات والمؤسسات الحكومية، ناهيك من انتهاك حقوق الإنسان والاحتجازات التعسفية للمعارضين لوجود الميليشيات، ومن لا يخضع لنفوذها مصيره السجون السرية.
في ليبيا، التحديات كبيرة أمام أي محاولة لاستعادة السيطرة على العاصمة طرابلس؛ حيث يتعذَّر الوصول بسهولة لبعض المناطق المسيطر عليها من قبل هذه الميليشيات؛ إذ تتحصن هذه الميليشيات في الأحياء السكنية، وتتخذ من السكان دروعاً بشرية.
تأثير سيطرة الميليشيات على العاصمة طرابلس يهدد الأمن والاستقرار؛ حيث زادت حالات الجريمة والعنف والابتزاز والسطو على أملاك الناس.
هَمُّ الميليشيات هو السطو على المال العام، وترك الناس يرسفون في الفقر وضعف الخدمات، مثل انقطاع الكهرباء ونقص المياه والبطالة، بسبب تأثير سيطرة الميليشيات السلبي على الحياة اليومية والاقتصاد، وحجب رواتب المواطنين لشهور.
رغم أنَّ جماعة «الإخوان» الإرهابية حظرها وصنَّفها البرلمان الليبي جماعة إرهابية، فإنها لم تكفّ عن محاولات عرقلة قيام الدولة؛ لأنها تحلم بأنها ستسيطر على البلاد ونفطها وثرواتها، ومن ثم تكديس الأموال لزعزعة استقرار الدول العربية. لقد فشلت جماعة «الإخوان» فشلاً ذريعاً في المنطقة الشرقية وفي المنطقة الجنوبية، ولم تبق لها إلا طرابلس وبعض المدن، وهذا بفضل الجيش الليبي الذي بدل جهداً كبيراً في معركة تطهيره البلاد من الميليشيات؛ سواء المؤدلجة أو النفعية الإجرامية، فأضحت المنطقة الشرقية وكذلك الجنوب آمنين ومستقرين.
اليوم، الجيش الليبي بسط نفوذه على معظم الأراضي الليبية، ومنها عاصمة الجنوب الغربي سبها، وسيطر على كبرى القواعد العسكرية قاعدة تمنهنت، معلناً أن لا عزاء للميليشيات، وانتهت محاولات التنظيم إلى الفشل في الجنوب والشرق ومعظم الغرب الليبي، ولكن التنظيم وميليشياته والمتحالفين معه تحصنوا في العاصمة طرابلس، محميين بدعم إقليمي مباشر، استخدم حتى الطيران المُسيَّر لصالح ميليشيات جماعة «الإخوان»، ومنع تقدم الجيش الليبي لفك العاصمة من شرورهم. وإن كان تحرير العاصمة من الميليشيات بات مسألة وقت ليس بالطويل، وقريباً سيكون الجيش الليبي في العاصمة، وعندها سيتحرر المواطنون من هيمنة وبطش وابتزاز الميليشيات، وتعود البلاد لنهضتها التنموية القوية، لبناء مجد ليبيا بثروتها الضخمة وإمكاناتها العديدة.
معاناة ليبيا من تنظيم «الإخوان» المبتدع دينياً والمفلس سياسياً، كبيرة جداً، فالتنظيم لا يمكنه الخروج في سلوكه عن تلون الحرباء واستبدال الأفاعي جلودها للاختباء والظهور مع تغير الظروف، فجماعة تنظيم «الإخوان» (الفرع الليبي)، تصر على البقاء، رغم خسارتها؛ ليس الصندوق الانتخابي فقط، بل وثقة الناس فيها، وهذا ما حدث للتنظيم في ليبيا، فالتنظيم الإرهابي اعتاد التضليل والتقية السياسية في جلباب ديني، وهو مفلس سياسياً ومبتدع دينياً. هذا التنظيم الشرس تمسَّك بالسلطة من خلال نفوذ الميليشيات التي لا تزال تسيطر على مفاصل العاصمة طرابلس، وحتى بعد أن تقدم الجيش الليبي لتحرير العاصمة، تعرَّض لضربات جوية من الحليف التركي للجماعة، في مقابل صمت غربي أميركي على منع الجيش الوطني الليبي من دخول العاصمة، في سابقة فريدة من نوعها في العالم، أن يُمنع جيش البلاد من دخول عاصمته، وتُترك الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة تتحصن داخلها، وتعبث بها، وتتسلط على مواطنيها.
جماعة «الإخوان» في ليبيا، التي مشروعها خارج حدود الوطن بالمفهوم الجغرافي، لا يمكن فهمها إلا من خلال قراءة منهج الجماعة وتموضعها وسكونها وتكتيكاتها حين تحاصر وتخسر المعركة، وتحاول الاستعداد لخديعة جديدة.
ما بين التقية والبيعة التي يقول العضو فيها: «أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعاً مطيعاً لأوامرها في العسر واليسر والمنشط والمكره معاهداً على الكتمان، وعلى بذل الدم والمال، فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة مني، ويكون مأواي جهنم وبئس المصير»، لا أحد يمكن له أن يستقيل من التنظيم والجماعة؛ لأن النتيجة التخلص منه.
فموضوع الاستقالات من التنظيم والجماعة لا يخرج عن كونه تكتيكاً لأعضاء تنظيم «الإخوان» ومناورة سياسية تهدف لإرسال رسائل للداخل والخارج، تبدأ بالاستقالة المزعومة والتمويهية.
معاناة ليبيا من الفوضى والميليشيات والانقسام السياسي مصدره الرئيس هو هيمنة جماعة «الإخوان» التي تمتلك السلاح بدعم دول إقليمية معروفة. وهي رغم ضعف شعبيتها قادرة على استخدام المال الفاسد، وشبكة تقاطع مصالحها، وقادرة على تنفيذ الأعمال القذرة التي جعلت منها حليفاً أو أداة لأي أجندة خارجية، ترى ضرورة استمرار الفوضى في ليبيا ببقاء العاصمة رهينة لدى الميليشيات.