مضت قمة المنامة كالقِمَم السابقة بحضور عربي كبير وقرارات أقل ما يمكن وصفها بأنها مخيبة لآمال الشارع الذي طالما كان ينتظر أكثر من ذلك بكثير.
شاركت سوريا في القمة للعام الثاني رغم العراقيل والضغوط الأمريكية. حضر السيد الرئيس بشار الأسد دون أن يلقي كلمة كما هي العادة، وفضّل الاستماع إلى الرؤساء والقادة، لكنه كان قد استبق القمة بموقف واضح جلي حاسم خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث عندما أكد أن سوريا ستبقى تدعم المقاومة بدون تردد. هذا الموقف يتعارض مع العديد من الدول العربية التي ترتبط مع إسرائيل باتفاقيات سلام.
سئل الرئيس حافظ الأسد ذات مرة وكان مقلًا في إعطاء الأحاديث لوسائل الإعلام: لماذا لا تتحدث إلى الإعلام؟ فأجاب: إذا تحدثت سأقول الحقيقة، وإذا قلت الحقيقة ينزعج العرب. ربما كان الوضع ذاته في قمة المنامة، حيث إن اللغة التي استخدمها غالبية المؤتمرين كانت بعيدة كليًا عن الخطاب السياسي السوري وعن مقاربة سوريا التقليدية لموضوع الصراع مع إسرائيل ومسائل التعاون العربي، لهذا كان الصمت أبلغ من الكلام.
رغم الصمت، تصدر اللقاء بين السيد الرئيس بشار الأسد وسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي المشهد، وكان تأكيد الرئيس الأسد على ضرورة تطوير آليات التعاون والتنسيق بين الدول العربية هو أهم مساهمة في إعادة اللحمة إلى العمل العربي المشترك. ولا شك أن دفع العلاقات السورية السعودية إلى الأمام يشكل عاملًا هامًا لاستقرار المنطقة والحفاظ على الأمن القومي العربي، مع أن الرياض تتعرض لضغوط كبيرة لا يمكن الاستهانة بها من أجل أن تغلق الأبواب في وجه أي انفتاح على سوريا، لكن السعودية تصر على الانفتاح وقد أثبت محمد بن سلمان أنه قادر على تجاوز الضغوط الأمريكية عندما رفض زيادة إنتاج النفط وعقد اتفاقًا مع روسيا ضمن منظمة أوبك بلاس ليحافظ على الأسعار مخالفًا بذلك الإرادة الأمريكية. كما أن مواقف السعودية من التطبيع لم يطرأ عليها أي تغيير بعد عشرات الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيون لتغطية فشل إسرائيل في غزة، وقد أكد محمد بن سلمان أن شرط التطبيع هو إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967. وهذا موقف تضمنته المبادرة العربية ويعني أنه لا تطبيع قريبًا مع إسرائيل.
العلاقات السورية السعودية تشكل حجر الأساس في العمل العربي المشترك، ومشروع محمد بن سلمان هو مشروع هام ومنفتح على الجميع، وهو يختلف عن الآخرين بجميع معطياته الداخلية والخارجية، فهو أول من استبدل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة الترفيه، وهو أول من خطط لتكون المملكة قبلة ثقافية منفتحة الأفق عربيًا وعالميًا بعيدًا عن أي قيود ثقافية أو دينية دون أن يمس ذلك قيم الناس وقناعاتهم، حتى كادت أن تكون ثورة علمانية تقتلع أطناب الوهابية لكن… بلطف.