بدأت علاقات سورية مع الصين بعلاقات بين الحضارتين العربية والصينية منذالقدم، وصولا إلى مبادرة الحزام والطريق التي كرست الاتصالات والعلاقات الوطيدة بين الصين والعالم العربي. وسورية واحدة من الدول العربية التيتربطها بالصين علاقات قديمة ومستجدة أيضا، رسخها الرئيسان بشار الأسدوشي جين بينغ خلال السنوات الماضية عبر بناء علاقات اقتصادية وسياسية أساسها الموقف الصيني الداعم لسورية في حربها الطويلة على الإرهاب ودعم الصين لوحدة سورية وسيادتها واستعادة الجولان السوري المحتل من قبل الكيان الإسرائيلي.
لعبت سورية دورا محوريا في السياسة الدولية منذ استقلالها وانضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة، وكانت في طليعة الدول العربية التي اعترفت بالصين بعدمصر، وأقامت علاقات دبلوماسية معها منذ العام 1956. علاقات سياسية لم تأت من فراغ، فهي مبنية على أسس متينة بين الحضارتين العربية والصينية منذ أيام طريق الحرير، ولم تنقطع العلاقات وصولا إلى مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس شي جين بينغ.
إرادة سياسية مشتركة بدأت منذ استلام الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم في سورية، ففي العام 2000 زار الرئيس بشار الأسد بكين، ثم رد الرئيس الصيني الزيارة في العام 2004. وبعد اندلاع الأزمة في سورية، استخدمت الصين وروسيا فيتو مزدوج في تشرين الثاني من العام 2011 ضد مشروع قرارغربي كان يستهدف سورية. وطوال 13 عاما من عمر الأزمة والحرب علىالإرهاب، كانت الصين إلى جانب سورية تقدم لها المساعدات والدعمالاقتصادي والسياسي، ولم تتوان عن تقديم كل ما تطلبه سورية حتى ظهرت سورية ضمن تحالف عالمي واسع وكبير يضم روسيا والصين وإيران وفنزويلاوكوريا الشمالية وكوبا كرأس حربة في مواجهة الإمبريالية الأمريكية.
ولم تكن زيارة الدولة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين فيأيلول عام 2023 زيارة عادية، فقد حصلت وسط أجواء ومناخات سياسية دولية في غاية التعقيد وحملت أبعادا سياسية بالتوازي مع القفزة التي شهدتهاالعلاقات الاقتصادية الصينية مع السعودية ومصر والسودان ودول المغرب العربي بسبب حاجة الصين للنفط. بذلك أصابت الصين بعلاقاتها العربيةعصفورين بحجر واحد، فعلاقاتها مع سورية لها طابع سياسي بالنظر إلىالدور الذي تلعبه سورية تاريخيا في المنطقة والعالم في مكافحة الإرهابوالاحتلال، كما استطاعت بكين بسياسة الانفتاح تحقيق اختراقات على صعيدعلاقاتها الاقتصادية مع دول عربية عديدة. بهذه الخطوات تمكنت الصين منالجمع بين المحتوى السياسي الدولي والمحتوى الاقتصادي العربي،واستطاعت تحقيق حضور على الساحة الدولية من خلال انخراطها بقضاياالشرق الأوسط، مثل الأزمة في سورية والقضية الفلسطينية، كما لعبت دوراأساسيا في تأمين مناخات انفراج من خلال رعايتها للاتفاق السعودي الإيرانيالذي رحبت به سورية ترحيبا شديدا.
زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين في أيلول الماضي جاءت تعبيرا عن إرادةسياسية مشتركة وعن شعور حقيقي بأهمية التعاون بين دمشق وبكين ورفعمستوى العلاقات السياسية ودفعها قدما وصولًا إلى التحالف الاستراتيجيلمواجهة التحديات المشتركة، وفي مقدمتها الإرهاب والهيمنة والتدخلاتالأمريكية في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة المناهضة للسياسةالأمريكية.
كانت الزيارة لها ما بعدها وكان لها ما قبلها. ففي العام 2021 قام وانغ يي،وزير الخارجية الصيني، بزيارة إلى دمشق وقدم التهنئة للرئيس الأسد بمناسبةانتخابه رئيسًا لولاية جديدة. جاءت الزيارة في خضم العقوبات الاقتصاديةوالحصار الخانق الذي فرضته واشنطن على سورية. في العاشر من آذار عام2023، وقعت سورية على معاهدة الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق. جاءتزيارة الدولة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين في أيلول منالعام الماضي بمناسبة المشاركة في الألعاب الأولمبية الآسيوية لتؤسس لمرحلةجديدة من العلاقات الاستراتيجية بين سورية والصين.
وفي إطار الزيارات المستمرة بين المسؤولين في البلدين، جاءت زيارة وزيرالخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد للمشاركة في أعمال الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري العربي – الصيني، الذي افتتحه الرئيس شي جين بينغ في بكين في الفترة من 28 إلى 30 أيار الجاري، لتفتح آفاقا جديدة في وقت تشهد فيه العلاقات السورية مع الدول العربية، وبخاصة مع السعودية، تطورات هامة بعد 12 عامًا من القطيعة.
في كلمته أمام المنتدى، أشار الوزير المقداد إلى أن الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى الصين قبل عدة أشهر كانت فرصة لتوطيد العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، ونوه بمواقف الصين الداعمة للحقوق العربية، معربا عن تقدير سورية العالي للمبادرات التي قدمها الرئيس الصيني خلال السنوات الأخيرة، وعبرت سورية عن دعمها لها جميعًا، وأهمها مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013 ومبادرة “التنمية العالمية” عام 2021.
العلاقات الاستراتيجية المتجذرة بين دمشق وبكين كانت انعكاسا لإرادة مشتركة بطبيعة الحال، ولكنها في الوقت نفسه جاءت في سياق تحالفات دولية جمعت روسيا والصين وإيران في جبهة واحدة لمحاربة الإرهاب التكفيري المدعوم منالغرب. وقد ساهمت روسيا بتشجيع العلاقات بين دمشق وبكين، ولعب الرئيس فلاديمير بوتين دورا في دفع العلاقات السورية الروسية قدما إلى الأمام من خلال العلاقات الوثيقة التي تربطه مع الرئيس شي جين بينغ، وقد جمع بينهما أربعون لقاء لبحث بناء عالم جديد يمثل السبيل الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار الدوليين بعد أن ملأت واشنطن العالم بالحروب والظلم والخوف.