هل سينجح أصحاب الأموال والتجار في كسر القوالب والقواعد الانتخابية في سورية أم ستبقى الغلبة للوائح الحزبية؟ انتخابات حاسمة في سورية في الخامس عشر من تموز القادم.
انتخابات الخامس عشر من تموز المرتقبة في سورية تختلف عن كل الانتخابات التي أجريت سابقاً بسبب تداعيات الحرب وما تلاها والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. هذه الأوضاع تشغل معظم السوريين الذين يفقدون الثقة أكثر بالمؤسسات بسبب عجزها عن إيجاد أي حلول للمشكلات التي تواجه الأسر والمواطنين السوريين، وبخاصة بعد انتهاء الحرب عملياً، حيث يكافح الجميع من أجل الحصول على لقمة العيش.
انتخابات مجلس الشعب تجري وفق برنامج محدد ودقيق ومضبوط وبإشراف قضائي كامل من البداية حتى النهاية. وقد تم تعيين اللجان القضائية في العاصمة دمشق والمحافظات، وكل لجنة تتألف من ثلاثة قضاة.
وبعد أن حددت اللجنة القضائية العليا موعد الترشيحات من العشرين من أيار الماضي وحتى السابع والعشرين منه، تقدم الآلاف من مختلف الشرائح والفئات بترشيحاتهم. واعترضت اللجنة على المئات منهم بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة وعدم تقديم الأوراق الكاملة في بعض الأحيان. وبعد إتمام الترشيحات والبت بالاعتراضات، تم قبول ترشيح 8953 مرشحاً. وكان من اللافت تزايد أعداد المرشحين من الإعلاميين إلى انتخابات مجلس الشعب في هذه الدورة الرابعة بعد تعديل الدستور في العام 2012.
ومن بين المرشحين الإعلاميين رئيس اتحاد الصحفيين الأستاذ موسى عبد النور ونائبة الاتحاد السيدة رائدة وقاف، والكثير من الصحفيين العاملين في الإذاعة والتلفزيون وفي الصحف السورية. لوحظ أيضاً ترشيحات من عدد لا بأس به من المحللين السياسيين الذين يتمتعون بحضور إعلامي لافت على المحطات والقنوات الوطنية، عدا عن رؤساء الاتحادات والنقابات والمنظمات الشعبية والأهلية وعدد كبير من أساتذة الجامعة.
في إطار التحضيرات التي يجريها حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو الحزب الحاكم، ولديه الآلاف من المرشحين، أصبح ضبط العملية التنافسية داخل الحزب ضرورياً من أجل ترشيح الأكفأ والأقدر على تحمل المسؤولية، خاصة وأن الدور الذي يؤديه عضو مجلس الشعب هو دور معتبر وهام على الصعيد القانوني والتشريعي والاجتماعي. يقوم المجلس بدور رقابي على الحكومة ويسن القوانين التي أصبحت سورية بحاجة ماسة لتجديدها بالنظر إلى التطورات الناتجة عن تداعيات الحرب وما أفرزته من نتائج على كل الأصعدة.
انتخابات الخامس عشر من تموز القادم تختلف عن كل الأدوار والانتخابات السابقة خلال الأدوار الثلاثة الماضية بالنظر إلى التغيرات الكبيرة على مستوى الحزب وانتخاب قيادة جديدة. ولهذا فالشارع السوري يتأمل وينتظر أن ينعكس ذلك على الانتخابات التشريعية وعلى خيارات الشارع السوري لاختيار الكفاءات الشابة والنظيفة والقادرة على تحمل المسؤولية الوطنية والعمل على إخراج البلاد من حالة اليأس والجمود التي تشهدها المؤسسات بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وقلة الإنتاج وهجرة الشباب بحثاً عن فرص عمل بالخارج، والحصار والعقوبات الغربية، والزلزال الذي ضرب البلاد في السادس من شباط عام 2023، وبسبب الجمود في العملية السياسية.
اعتاد السوريون على نمط من الانتخابات حيث يتنافس بشكل قوي التجار وأصحاب الأموال، وتشكل العاصمة والمدن الرئيسية مسرحاً لمعارك انتخابية قوية بين هؤلاء وبين اللوائح المختلفة والتكتلات. يعمل التجار الكبار والصناعيون وأصحاب الحرف على التكتل لمنافسة اللوائح المضادة، وتبرز هنا أهمية المال في الانتخابات حيث يبذخ هؤلاء لنيل العضوية. على المقلب الآخر، فإن المنافسات تكون أقل حدة في الأرياف بسبب تكتل الأحزاب القومية والوطنية ضمن لائحة واحدة. من المحتمل أن تشهد هذه اللوائح اختراقات من المستقلين، ومن المتوقع أن تكون انتخابات الخامس عشر من تموز لها طابع تاريخي لأنها تجري في ظل أوضاع داخلية وخارجية مختلفة. التغييرات في الداخل جوهرية، وحملات محاربة الفساد شاملة وواسعة، وسط انفتاح عربي وإقليمي على سورية، ووسط توقعات بإجراء تغيير حكومي شامل بعد الانتخابات التشريعية. من المنتظر أن تشهد سورية حركة من النشاط السياسي والاقتصادي فور إنجاز الاستحقاق الانتخابي، الذي يعد إرثاً تليداً وتقليداً موروثاً في سورية، وليس حالة طارئة أو جديدة. فالانتخابات كانت دائماً أحد أهم المظاهر الديمقراطية التي تصر سورية عليها، وهي قضية وطنية مثبتة في القانون السوري.
مرحلة الانتخابات داخل حزب البعث العربي الاشتراكي ليست وقتاً مستقطعاً، وإنما هي مرحلة هامة لأن مجلس الشعب في سورية يكون قوياً بقدر قوة الأحزاب القومية والوطنية وبقدر قوة أعضاء الحزب.