الدبلوماسية الروسية تواصل تألقها ونجاحاتها على الساحة الدولية بما تمتلكه من قوة حجة وصواب رأي ورصيد من المصداقية ناتج بالدرجة الأولى من تاريخ طويل من الكفاح الروسي إلى جانب الشعوب المظلومة والمقهورة، وبخاصة دعم القضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب في سورية.
هي سياسة راسخة وعميقة يتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحمل مشروعًا لإعادة التوازن إلى العالم بعد اختلاله وسقوط الاتحاد السوفييتي سابقًا. سياسة عمرها ربع قرن يرسخها اليوم أسد الدبلوماسية الروسية التاريخي سيرغي لافروف، الذي يؤدي دورًا محوريًا وأساسياً على الساحة الدولية، يفوق بأهميته الدور الذي كان يلعبه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الملقب بثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي، عندما كانت الحرب الباردة بين العملاقين الروسي والأمريكي في أوجها.
فالوزير لافروف يساهم في صياغة النظام العالمي المتعدد الأقطاب، الذي تسعى لإقامته روسيا والصين لمواجهة التحديات والأخطار الناتجة عن إصرار الولايات المتحدة والغرب على نظام الأحادية القطبية الذي يمنحهم الأفضلية والسلطة والقوة والرفاهية والنمو ويمنع ذلك عن الآخرين في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
مشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اجتماعات مجلس الأمن الدولي دون أن يلتقي بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في نيويورك تشير إلى أن الكيل طفح بين موسكو وواشنطن جراء الحرب في أوكرانيا وغزة. لكن لافروف أصر على أن يترأس الجلسات بنفسه لأنه مصمم على إيصال الموقف الروسي من كل المتغيرات والتطورات في العالم، وبخاصة بعد مبادرة الرئيس بوتين لحل الأزمة في أوكرانيا وبعد قمة الناتو التي اعتبرت روسيا والصين عدوين للحلف.
الوزير لافروف يستشعر المخاطر الكبيرة الناتجة عن الصلف والعنجهية الأمريكية والغربية على كل المستويات. ولم يكن عقد الاجتماعات حول ميثاق الأمم المتحدة وفلسطين ترفًا أو تجاهلًا للملف الأوكراني، بل كان ذلك دليلاً على قوة الدبلوماسية الروسية وقدرتها على طرح المواضيع التي تهم روسيا والابتعاد عن تلك التي تحاول واشنطن فرضها على العالم لخدمة مصالحها، مثل الأزمة في أوكرانيا التي تتعاطى معها روسيا كقضية داخلية وترفض تدويلها.
وقد انتقد لافروف بشدة المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن لأنها حاولت الخروج عن موضوع المناقشات وطرحت الأزمة في أوكرانيا في وقت كانت الجلسة مخصصة لمناقشة حماية ميثاق الأمم المتحدة.