صعّدت الولايات المتحدة الأمريكية وميليشيا قسد الانفصالية ومجموعات PKK الإرهابية من ممارساتها وضغوطها على الحكومة السورية، ومن ممارساتها القمعية ضد أبناء الجزيرة السورية. وذلك لترهيب أبناء العشائر والجزيرة ومواصلة نهب الثروات الوطنية من قمح ونفط وغاز، ومنع أي تقارب بين سوريا وتركيا. في وقت تتحدث وسائل الإعلام عن تحقيق خطوات عملية في هذا الاتجاه تمثل بفتح عدد من المعابر الحدودية.
ومع أن هذا التقارب لا يزال بطيئا ومحدودا وقد اقتصر على فتح بعض المعابر لتسهيل مرور البضائع والمساعدات الإنسانية لإيصالها إلى مستحقيها من النازحين، إلا أن ميليشيا قسد ومنذ بدء الوساطة الروسية الهادفة إلى إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة بدأت تستشعر الخطر المحدق بها وصعّدت إجراءاتها وتضييقها على السكان في الجزيرة السورية ومناطق سيطرتها في شمال حلب والرقة ومنبج، وصولًا إلى المعركة الدائرة اليوم والتي تزامنت مع هجمات واسعة تعرّضت لها مناطق سيطرة ميليشيا قسد شرق الفرات ومناطق ريف حلب الشمالي على محاور مناطق سمعان وأعزاز وحربل، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين ما يسمى الجيش الوطني وقوات الاحتلال التركي التي تسيطر على المنطقة وبين ميليشيا قسد بعد تفجير الميليشيا لسيارة مفخخة عند حاجز الشط في محيط أعزاز ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة 12 آخرين من المجموعات الموالية لتركيا.
وفي محاولة لتصعيد الأوضاع والضغط على الحكومة السورية، قامت ميليشيا قسد مدعومة بالطيران الأمريكي بشن هجوم واسع على المناطق المحررة وفرضت حصارًا على مناطق سيطرة الحكومة في الحسكة والقامشلي وطريق مطار القامشلي الدولي، ومنعت حركة دخول الآليات والشاحنات، بما فيها الصهاريج والشاحنات المخصصة لنقل الطحين والمواد الغذائية والخضار، مما يشكّل خطرًا إضافيًا على السكان ويهدد بكارثة إنسانية خاصة وأن المنطقة تعاني من انقطاع مستمر للمياه.
ولليوم الثالث على التوالي، تقوم ميليشيا قسد الانفصالية بفرض حصارها على المربع الأمني وسط مدينة الحسكة وقامت بمنع دخول وخروج السيارات والأشخاص من وإلى المنطقة. مصدر إعلامي مطلع ذكر لشبكة أخبار الشام أن ميليشيا قسد فرضت حصارا مشابها على منطقة المربع الأمني والمطار الدولي في مدينة القامشلي. واعتبرت هذه الميليشيات أن الحصار هدفه الرد على الهجوم الواسع الذي قامت به قوات العشائر وجيش القبائل العربية في مناطق بريف دير الزور.
وفيما لا يزال الغموض يلف التحركات العسكرية والسياسية في المنطقة، فإن جميع الأطراف تحرص على عدم الكشف عن خططها في المستقبل، خاصة وأن الحكومة السورية تعتبر أن وجود ميليشيا قسد هو انتهاك للسيادة الوطنية وأن هذه الميليشيات مرتبطة بالمحتل الأمريكي وتقوم معه بسرقة موارد وثروات سوريا النفطية شرق الفرات.
وفيما تتسع الهوة بين الحكومة السورية وما يسمى ميليشيا قسد بسبب ممارسات الأخيرة والتي كان آخرها محاولات اعتقال عدد من الجنود في الجيش العربي السوري وتصعيد الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات العشائر بريف دير الزور الشرقي، إلا أن خلف الأكمة ما خلفها، حيث باتت ميليشيا قسد محاصرة من الجهات الأربع بقوات معادية بعد الخطوات التقريبية بين سوريا وتركيا.
وتشير وسائل الإعلام والتقارير إلى أن قوات قسد تعرضت لعمليات قصف مكثفة من قبل جيش الاحتلال التركي وما يسمى الجيش الحر بعد تفجير أعزاز الذي تقف وراءه ميليشيا قسد وتنظيم PKK الإرهابي. ووسط هذه الأجواء التصعيدية، كشفت مصادر ميدانية عن وجود وساطة روسية لفك الحصار عن مناطق سيطرة الدولة ومؤسساتها، مؤكدة أن ما تقوم به قسد هو التضييق على المدنيين وتجويعهم وتعطيشهم فقط، وهو تصرف سلبي وغير إنساني.
وكان جيش القبائل قد نفذ فجر الأربعاء في الخامس من أغسطس هجوما واسعا استطاع خلاله تحرير المنطقة الواصلة بين بلدة البصيرة وصولا إلى بلدة الباغوز شرق الفرات وطرد ميليشيا قسد منها. وزعمت الميليشيات أن الهجوم انطلق من مناطق سيطرة الحكومة.
في هذه الأثناء، أصدرت القبائل العربية بيانا أكدت فيه عزمها على مواصلة القتال ضد مجموعات قسد الانفصالية حتى تحرير الأرض والعرض من عصابات PKK الإرهابية. وأهاب بيان القبائل والعشائر العربية بكل المواطنين السوريين الدفاع عن الوطن في مواجهة الاحتلال الأمريكي ومشاريعه التقسيمية، وأكدت رفضها وقف القتال، فيما سارعت القوات الروسية الموجودة في المنطقة بوساطة من أجل وقف الاشتباكات وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
المفاوضات التي بدأتها روسيا من أجل رفع الحصار عن وسط الحسكة والقامشلي ربما تستمر طويلا حيث تسعى روسيا من أجل إعادة سيطرة الدولة السورية على كامل الأراضي السورية. وفي وقت لا تزال ميليشيا قسد ترفض تسليم مناطقها وتواصل تعاملها مع جيش الاحتلال الأمريكي وتسعى للانفصال تحت مسمى الإدارة الذاتية.
ويرى مراقبون أن ميليشيا قسد تحاول من خلال افتعال هذه الأزمة وتصعيد أعمالها الإجرامية ضد السكان في المناطق الشرقية منع أي تقارب بين دمشق وأنقرة وعرقلة المصالحة بين سوريا وتركيا، حيث تعتبر ميليشيا قسد أن أي مصالحة بين سوريا وتركيا ستؤدي إلى تقويض وإنهاء مشروعها الانفصالي المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولا شك أن ما حدث هو استمرار لانتفاضة القبائل في العام الماضي. ولا غرابة في انتفاضة القبائل العربية التي كانت دائما ترفض أي وجود أجنبي وأنها تدافع عن الأرض والعرض. وكانت هذه القبائل قد شهدت انتفاضة عارمة العام الماضي عندما اعتقلت الميليشيات أحد أبناء القبائل الملقب بأبو خولة قائد المجلس العسكري للقبائل العربية. ومنذ ذلك الحين لا تزال ميليشيا قسد الانفصالية تشن حملات ترهيب واعتقالات في القرى والمدن التي ترفض الاستكانة للمحتل الأمريكي وترفض ممارسات قسد التي تشترك مع المحتل الأمريكي في سرقة الثروات الوطنية السورية والاستيلاء على الأراضي والممتلكات للمواطنين العرب وحرمانهم من أرضهم وخيراتها.
إن ما قامت به العشائر والقبائل العربية بقيادة الشيخ إبراهيم الهفل فجر الأربعاء الماضي يعد استمرارا للانتفاضة المستمرة التي لن تتوقف لحين طرد المحتل الأمريكي والانفصاليين الذين يتعاملون معه والذين يسعون لتقسيم سوريا لحساب الأجندات الأمريكية والإسرائيلية.
ومع أن الحكومة السورية تؤيد ثورة العشائر وتدعمها إلا أنها لم تشارك في الهجوم الذي وقع فجر الأربعاء والذي يختلف عن كل الهجمات السابقة، والهدف هو استعادة كامل السيادة السورية وطرد المحتل الأمريكي والمحتل التركي عن مجمل الأراضي السورية.