تعد المفاوضات الإسرائيلية مع حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية قضية شائكة تمتد جذورها إلى عقود من الصراع المستمر بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني. تحدث حسام طالب، الباحث في الشؤون السياسية، في حوار مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، عن التصعيد الإسرائيلي الأخير وفشل المفاوضات، موضحاً أن الوصف الأكثر دقة لهذه المفاوضات هو “طبخة بحص”. هذه العبارة، التي تشير إلى جهود لا طائل منها، تعكس الواقع الذي فرضه العدو الصهيوني على مدار العقود.
منذ تأسيس ما يسمى بإسرائيل في عام 1948، كان الهدف الأساسي للكيان الصهيوني هو التوسع والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، دون الالتزام بأي اتفاقيات دولية أو قرارات أممية. ابتداءً من قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، والذي قضى بإنشاء دولة يهودية وأخرى عربية، لم يلتزم الكيان الصهيوني بهذا القرار، بل انطلق في حرب 1948 لتهجير الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم. وبعدها جاءت حرب 1967، واجتياح لبنان، وحرب تشرين 1973، وكلها محطات تؤكد أن الكيان الصهيوني لا يبحث عن سلام حقيقي بل عن استمرار في مشروعه الاستيطاني التوسعي.
يرى طالب أن هذا التاريخ المليء بالصراعات والحروب لا يمكن فصله عن التصعيد الإسرائيلي الحالي، الذي يظهر بوضوح نية الكيان في فرض هيمنته على المنطقة بأسرها. يشير إلى أن إسرائيل لا تمتلك حدودا ثابتة، ولا دستورا، بل تقوم استراتيجيتها على التوسع وفرض سيطرتها على المنطقة، بما في ذلك سيناء والأردن، وصولا إلى أطماعها في الضفة الغربية وسيناء، التي يعتبرها بعض قادتها جزءا من “أرض إسرائيل الكبرى”.
كما أوضح طالب أن العدو الصهيوني يستغل المفاوضات كوسيلة لتعطيل المقاومة وإضعافها، وليس للوصول إلى حلول سلمية. هذا التكتيك يعكس إدراك إسرائيل لعجزها عن تحقيق أهدافها من خلال القوة العسكرية فقط، ما يدفعها للجوء إلى المفاوضات كوسيلة لإحباط خصومها وتفتيت قوتهم.
من جانب آخر، فإن الولايات المتحدة تلعب دورا محوريا في دعم إسرائيل، مستخدمة كل الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف. فمن إرسال المدمرات إلى البحر المتوسط، إلى تهديدات مباشرة لإيران وحزب الله، تحاول واشنطن فرض إرادتها على المنطقة، إلا أن المقاومة لم تلتزم برد الفعل الفوري، بل انتظرت ما ستسفر عنه المفاوضات لتحديد طبيعة الرد.
يشدد طالب على أن الموقف الأمريكي، رغم كل تهديداته وتحركاته العسكرية، لم ينجح في فرض إرادته بالكامل، وأن محور المقاومة لا يزال قادرا على الرد. هذا ما أثبته حزب الله في ردوده التي أظهرت ضعف الكيان الصهيوني، الذي زعم أنه صد معظم الصواريخ والمسيرات، في حين أن الحقائق على الأرض تشير إلى عكس ذلك.
في السياق نفسه، يسلط طالب الضوء على دور الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي لم تعد تخفي أطماعها وأهدافها الاستيطانية، بل أصبحت تعلنها على الملأ. تصريحات قادة هذه الحكومة، مثل بن غابير وسموتريتش، تعكس توجها واضحا نحو التصعيد والتهجير، وليس فقط ضد الفلسطينيين في غزة، بل في الضفة الغربية أيضا، حيث يروجون لفكرة تهجير الفلسطينيين بشكل كامل من هذه المناطق.
هذه الحكومة المتطرفة لم تعد تخفي نواياها التوسعية، بل تستخدم المفاوضات كغطاء لتحقيق أهدافها على الأرض، سواء من خلال بناء مستوطنات جديدة، أو قمع أي مقاومة فلسطينية. يعكس هذا الواقع أن المفاوضات الحالية ليست إلا وسيلة لتعطيل المقاومة وتأجيل المواجهة الحقيقية، التي قد تكون أكثر دموية وشمولية في المستقبل.
في الختام، يشير طالب إلى أن إسرائيل، وبمساعدة الولايات المتحدة، تسعى لتحويل المنطقة إلى ساحة حرب مستمرة، حيث لا يمكن لأي طرف أن يحقق انتصارا نهائيا. وبالنظر إلى تاريخ الصراع وأسلوب المفاوضات المتبع من قبل الكيان الصهيوني، يبدو أن السلام العادل والمستدام لا يزال بعيد المنال، وأن ما يجري الآن ليس سوى مرحلة جديدة من مراحل الصراع المستمر، الذي قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في المستقبل.