في ظل تصاعد حدة التوترات العالمية، تبدو الأحداث في أوكرانيا وغزة كوجهين لعملة واحدة، حيث تلعب القوى الكبرى دوراً محورياً في توجيه الصراعات بما يخدم مصالحها الجيوسياسية. خلال حديثه لشبكة “شام نيوز إنفو” على إذاعة “ميلودي إف إم”، أشار المحلل السياسي حسام طالب إلى أن الحروب التي تشتعل في مختلف المناطق، سواء في أوكرانيا أو غزة، تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الصراعات ليست مجرد نزاعات محلية، بل هي جزء من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية متعددة، من ضمنها استنزاف الخصوم وفرض الهيمنة على مناطق استراتيجية حول العالم.
تطرق حسام طالب إلى تحليل الحرب الأوكرانية، مشيراً إلى أن هذه الحرب تمثل محاولة أمريكية لاستنزاف روسيا. الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يسعى لإضعاف روسيا من خلال دعم أوكرانيا عسكرياً، ولكن الهدف الحقيقي ليس فقط إضعاف روسيا، بل أيضاً زعزعة استقرار أوروبا. أوروبا التي كانت تتجه نحو مزيد من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، خاصة في مجال الدفاع وإنشاء جيش أوروبي موحد، تجد نفسها الآن مرتبطة بمصالح واشنطن من جديد. ويشير طالب إلى أن هذه الحرب ليست استنزافاً لروسيا فحسب، بل هي أيضاً حرب استنزاف لأوروبا، التي تتحمل الآن أعباء اقتصادية كبيرة نتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا وارتفاع أسعار الطاقة.
أما عن الحرب في غزة، أكد طالب أن الصراع هناك ليس مجرد مواجهة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، بل هو جزء من خطة أمريكية أكبر تهدف إلى بناء قواعد عسكرية في غزة ومحاصرة مصر وإضعاف الوجود الروسي في الشرق الأوسط. طالب أشار إلى تقارير تفيد بأن دولاً مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا، إلى جانب الناتو والولايات المتحدة، تزود إسرائيل بمعلومات استخبارية دقيقة حول تحركات المقاومة في غزة، مما يؤكد أن الحرب في غزة هي بالأساس حرب أمريكية تنفذها إسرائيل.
في هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي حذر فيها من أن الصراع في أوكرانيا قد يتحول إلى حرب روسية أطلسية شاملة. طالب يرى في هذه التصريحات دعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن في الوقت نفسه، هي تحذير واضح من أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما استمرت الاستفزازات الغربية.
وفي ظل هذه التوترات، تأتي قضية اعتقال بافل دوروف، المدير التنفيذي لتطبيق تلغرام، لتضيف بعداً آخر للصراع بين روسيا والغرب. طالب يرى أن اعتقال دوروف في فرنسا يأتي في إطار حملة غربية تستهدف تقييد الحريات وإسكات الأصوات التي تكشف الحقيقة. دوروف، الذي يتهم بنشر أخبار كاذبة ودعم الإرهاب من خلال تطبيقه، لم يرتكب في الواقع أي جريمة تبرر اعتقاله. بل إن نجاح تلغرام في كشف جرائم إسرائيل في غزة هو ما دفع السلطات الفرنسية إلى اتخاذ هذه الإجراءات. يشير طالب إلى أن شركات غربية مثل “لافارج”، التي تورطت في دعم جماعات إرهابية، لم تواجه نفس المعاملة، مما يكشف عن ازدواجية في المعايير.
أما على صعيد الطاقة، فيؤكد طالب أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا لم تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، بل إنها أضرت بأوروبا أكثر من روسيا. الولايات المتحدة تستغل الوضع لبيع الغاز لأوروبا بأسعار مرتفعة، في حين أن روسيا وجدت أسواقاً جديدة في آسيا لتعويض خسائرها. يرى طالب أن الهدف الحقيقي من الحرب في أوكرانيا ليس فقط ضرب روسيا، بل أيضاً إعادة أوروبا إلى دائرة النفوذ الأمريكي.
أكد حسام طالب أن ما سيحسم الصراع العالمي الحالي ليس السياسات أو التصريحات، بل هو الميدان. إذا صمدت المقاومة في غزة ونجحت روسيا في مواجهة التحديات في أوكرانيا، فإن المشاريع الأمريكية ستفشل. الانتخابات الأمريكية القادمة قد تأتي بوجه جديد إلى البيت الأبيض، ولكن طالما أن الولايات المتحدة مستمرة في إشعال الصراعات، فإن العالم سيظل يعيش على حافة الهاوية. يرى طالب أن الولايات المتحدة، من خلال هذه الصراعات، تسعى لفرض نظام عالمي جديد يخدم مصالحها على حساب استقرار الدول الأخرى. ولكن مع تزايد الصمود من قبل روسيا والمقاومة، يبدو أن هذه الاستراتيجية تواجه تحديات كبيرة قد تؤدي في النهاية إلى فشلها.