بعد إعلان الضفة الغربية ساحة حرب، قوات الاحتلال تمدد العملية العسكرية على جنين ومخيمها… والمقاومة تخوض معارك ضارية على محوري طولكرم وجنين.
رغم إعلان الرئيس الأمريكي أنه يتابع شخصيا ملف المفاوضات بين كيان الاحتلال وحماس، إلا أن حكومة نتنياهو لم تعر تصريحات بايدن التي دعا فيها إلى وقف إطلاق النار أي اهتمام. وعلى العكس، أعلن جيش الاحتلال عن تمديد الحرب على الضفة الغربية وعلى جنين ومخيمها التي بدأها قبل تسعة أيام.
وفيما خرجت تظاهرات في رام الله للتنديد بالعدوان على الضفة الغربية، فقد اقتحمت قوات الاحتلال مخيمي بلاطة والجلزون، وأحرقت المنازل واحتجزت سيارات الإسعاف في جنين وطولكرم، ودمرت البنية التحتية وقطعت الكهرباء والماء لتمنع الحياة في المخيمات. كما أعلنت تمديد العملية في جنين واستقدمت تعزيزات عسكرية للقضاء على المقاومة. ودعا وزير الأمن الإسرائيلي إلى وقف المفاوضات مع حماس بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ومع كل هذه الهستيريا الإسرائيلية، لا يزال الفشل الميداني والسياسي يلاحق حكومة الاحتلال وجيشها في الضفة كما في القطاع، رغم سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها، حيث تمنع الطعام والدواء، وتتزود بكل أنواع الأسلحة الأمريكية وتستخدم الطائرات الحربية والدبابات والطائرات المسيرة، وتستقدم الجنود من ساحات القتال في قطاع غزة إلى الضفة.
ولكن حتى الآن لم تحقق أي هدف من أهدافها. فالمقاومة، رغم الخسائر الكبيرة واستشهاد عشرات المقاومين في جنين وطولكرم ونابلس والخليل، استطاعت أن تكبّد قوات الاحتلال خسائر كبيرة ونفذت سلسلة عمليات جريئة ونوعية في ترقوميا وغوش عتصيون في الخليل جنوبي الضفة وفي جنين، أدت إلى مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين. وكانت هذه العمليات بمثابة إنذار وتحذير لقوات الاحتلال من الإمعان في عدوانها على الضفة الغربية، التي استطاعت أن تكسر حاجز الخوف وتنقل بصمودها وعملياتها المعركة إلى الداخل الإسرائيلي عبر التنسيق بين مقاومة الضفة ومقاومة القطاع، ما أرعب المستوطنين وجنود الاحتلال الذين استخدموا القوة الكاملة في الهجوم على الأحياء السكنية والمخيمات، وسط حالة من القلق والرعب تسيطر على جنود الاحتلال وضباطه جراء صعوبة المعركة في الضفة ذات الطبيعة الجبلية، التي تضم مئات المغاور والكهوف والمليئة بالأحراش والأشجار التي تخفي المقاومين خلفها، وهي مختلفة عن طبيعة القطاع السهلية والمفتوحة، وهذا يساعد المقاومين في الضفة على التخفي ويجعل جنود الاحتلال عرضة للهجمات القاتلة.
بعد تسعة أيام من العدوان الوحشي على الضفة الغربية، جاءت نتائج العملية العسكرية الإرهابية ومحاولات حكومة نتنياهو التعويض عن الفشل في القطاع لكسر إرادة المقاومة معاكسة تماما، فقد تزامن الهجوم على الضفة مع الإعلان عن مقتل ستة من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، فعمت الفوضى كيان الاحتلال، وخرجت تظاهرات حاشدة وشهدت الساحة السياسية الإسرائيلية انقسامات كبيرة وغير مسبوقة بين حكومة نتنياهو –سيموترتش– بن غفير وبين المعارضة بقيادة لابيد، التي دعت إلى الإسراع بتوقيع اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار باعتباره مصلحة إسرائيلية، قبل أن تقوم حماس بقتل بقية الأسرى، خاصة بعد أن هددت الحركة أن أي هجوم إسرائيلي على أماكن تواجد الأسرى سيكون بمثابة حكم بالإعدام عليهم. وأكدت أنها أعطت الأوامر لحراس الأسرى بإطلاق النار وتصفيتهم في حال هجوم قوات الاحتلال لتخليصهم بالقوة بدون إبرام اتفاق. هذا الإعلان من حماس جعل مئات الآلاف من المستوطنين يخرجون في تل أبيب والمدن الإسرائيلية والمستوطنات في احتجاجات غير مسبوقة لمطالبة نتنياهو بالتوقف عن أكاذيبه وخداعه ودعوه إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى والانسحاب من معبر فيلادلفيا. إلا أن نتنياهو قاوم هذه الرغبة بإجراءات عديدة، وعقد مؤتمرا صحفيا كان مليئا بالخداع والأكاذيب والمراوغة. واستخدم كعادته الخرائط، واعتبر أن الانسحاب من محور فيلادلفيا يعرض إسرائيل للخطر، وهو ما نفاه وزير الحرب يواف غالانت. وأكد نتنياهو أنه لن ينسحب من معبر فيلادلفيا، وتجاهل تصريحات الرئيس الأمريكي الذي حمّله المسؤولية عن فشل المفاوضات، وقام بإرسال رئيس الموساد ديفيد برنياع إلى الدوحة بحجة استئناف المفاوضات. الجميع بات على قناعة أن نتنياهو لم يكن ليفتح جبهة الضفة ويرتكب المجازر فيها لو كانت لديه الإرادة بوقف العدوان على قطاع غزة وإبرام صفقة الأسرى.
رغم التحذيرات الدولية والأممية من خطورة العدوان على الضفة الغربية ومواصلة حرب الإبادة في القطاع المنكوب وما يشكله ذلك من خطر على حياة الأسرى، إلا أن وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير طالب بوقف المفاوضات مع “حماس” وتهجير الفلسطينيين من الضفة وبناء كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى. فيما أكد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك أن إسرائيل ستسقط نفسها وليس حماس في حال استمرار القتال في غزة.
وفي هذا الإطار، حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز من امتداد عنف الإبادة الجماعية الذي يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في غزة إلى الضفة الغربية المحتلة. وأشارت إلى أن تكثيف “إسرائيل” لهجومها العسكري على شمال الضفة الغربية يمثل تصعيدًا خطيرًا للعنف الجسيم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني منذ السابع من تشرين الأول 2023.
حركة حماس من جانبها رفضت الاقتراحات الأمريكية الجديدة حول الانسحاب من معبر فيلادلفيا في المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى. واعتبرت أن انتقادات بايدن لنتنياهو تؤكد أفعال إسرائيل التخريبية بشأن الصفقة. وقال القيادي في الحركة سامي أبو زهري إن انتقادات الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسلط الضوء على اعتراف واشنطن بأفعال إسرائيل التخريبية. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حمل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو المسؤولية عن فشل المفاوضات، معلنا أنه لا يفعل ما يكفي لإبرام اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
ورغم الخلافات بين نتنياهو وبايدن، إلا أن إدارة بايدن لا تزال تزود كيان الاحتلال بالأسلحة لقتل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وهذا يدل على أن الانتقادات الأمريكية لنتنياهو ليس لها أي معنى. فإدارة بايدن شريك حقيقي في حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها نتنياهو وجيشه باستخدام أسلحة أمريكية.
يبقى الرهان على إنزال نتنياهو من الشجرة العالية التي صعد إليها ولم يحقق أي هدف من أهدافه بعد أحد عشر شهرا من المجازر والجرائم. يبقى الرهان على المقاومة البطلة التي تخوض معارك ضارية في طولكرم وجنين، في وقت تتسع الخلافات في الداخل الإسرائيلي، وتشهد المستوطنات والمدن الإسرائيلية تظاهرات حاشدة تطالب بوقف إطلاق النار، ما يزيد من حالة الخوف والتململ في الداخل الإسرائيلي وداخل المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين تطالبان أيضا بوقف إطلاق النار وإبرام صفقة الأسرى، خاصة بعد مقتل ستة من الأسرى وبعد تهديد حركة حماس بقتل الباقين في حال تعرض مكان احتجازهم لهجمات إسرائيلية بقصد تحريرهم أحياء.
محاولة نقل الحرب من قطاع غزة إلى الضفة الغربية هي هروب إلى الأمام، بعد أن فشل نتنياهو في القضاء على حماس في القطاع، فإنه يتجه لتحقيق الهدف ذاته في الضفة الغربية، التي تشير الوقائع إلى أنها تتحضر لانتفاضة كبرى تكنس الاحتلال وداعميه، وتسقط حكومة نتنياهو المأزومة.