في حديث أجراه الأستاذ أحمد يوسف مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، تناول يوسف مساعي روسيا في تقليص نطاق الحرب في أوكرانيا ومحاولة تجنب توسيعها إلى مناطق أخرى. وأكد يوسف أن السياسة الروسية تتسم بالهدوء والبرود في التعامل مع الأزمات، مما يمنحها فرصة لتحليل الأحداث وتوقع تطوراتها بدقة. وعلى الرغم من هذه المقاربة الهادئة، أشار يوسف إلى أن روسيا ليست المسيطر الرئيسي على تطورات الصراع في المنطقة، بل تعمل بجد لمنع العدو من تحقيق الانتصار، خاصة في ظل تداخل الصراع في أوكرانيا مع ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط.
تحدث يوسف عن أن روسيا تركز جهودها على منع الولايات المتحدة، باعتبارها الخصم الرئيسي، من تحقيق انتصارات حاسمة في الجبهات المختلفة. وأوضح أن التصعيد الذي تشهده المنطقة لا يخدم مصالح روسيا، ولكنه يفرض على جميع الأطراف التحضير لمواجهة محتملة. هذا التصعيد، حسب يوسف، ليس قراراً روسياً، ولكنه نتيجة لعوامل معقدة تتداخل فيها مصالح دول أخرى في المنطقة، مثل سوريا وإيران، بالإضافة إلى القوى الغربية.
وأشار يوسف إلى أن التصعيد في منطقة الشرق الأوسط باتجاه الصراع هو السمة الغالبة في المرحلة الراهنة، حيث لم تعد روسيا قادرة على البقاء مكتوفة الأيدي في ظل هذه التطورات. ولفت إلى أن روسيا ستزيد من انخراطها في الأحداث الإقليمية، ليس فقط على صعيد التسلح، بل أيضاً من خلال رفع بعض القيود التي كانت تفرضها على استخدام الأسلحة في المنطقة.
مع تسارع الأحداث في الشرق الأوسط وتطورها، شدد يوسف على أن من مصلحة روسيا الرد على الولايات المتحدة في هذه المنطقة تحديداً، مشيراً إلى أن الرد هنا سيكون أكثر جدوى وخطورة من أوكرانيا. وأوضح أن الرد الروسي يجب أن يكون شاملاً، يشمل تعزيز العلاقات مع دول مثل السعودية، التي طلبت منها روسيا أن تكون مقراً لاجتماعات هامة تتعلق بالتحالفات الجديدة. واعتبر أن انضمام السعودية إلى مجموعة “بريكس” يمثل تحركاً استراتيجياً مهماً، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية.
كما تناول يوسف زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى القاهرة والرياض، مشيراً إلى أن هذه الزيارات تأتي في إطار الرد الروسي على السياسات الأمريكية والتصعيد الغربي ضد روسيا في أوكرانيا. وأوضح أن السعودية ومصر كانتا دائماً ركيزتين أساسيتين للسياسة الأمريكية في المنطقة، ولكن التحولات السريعة التي تشهدها المنطقة تغير من هذه المعادلة، مما يضع الرياض والقاهرة في موقف أكثر تعقيداً.
أوضح يوسف أن الصراع بين الغرب وروسيا لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل يمتد إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وضرب مثالاً بانضمام تركيا إلى “بريكس”، مشيراً إلى أن تركيا لم تستوف بعد الشروط اللازمة للانضمام طالما أنها عضو في حلف الناتو. ولكنه أشار إلى أن تركيا تواجه تحديات كبيرة في ظل هذا التناقض، حيث أن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية أصبحت متداخلة مع الكتلة الأوراسية، مما يجعلها في وضع حساس ومعقد.
وأبرز يوسف أن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية، تعاني من ضغوط كبيرة نتيجة تداخل مصالحها مع الغرب من جهة، والكتلة الأوراسية من جهة أخرى. وأكد أن خروج تركيا من حلف الناتو، رغم أنه غير محتمل في الوقت القريب، قد يؤدي إلى نهاية الحلف كما نعرفه، نظراً للدور الحيوي الذي تلعبه تركيا في الناتو. وأشار إلى أن تركيا قد تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تتمكن من التوفيق بين هذه التناقضات والانضمام إلى “بريكس” بشكل كامل.
في الختام، أكد يوسف أن روسيا ستواصل سعيها لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، في ظل التحديات المتزايدة التي تفرضها التطورات العالمية. وأوضح أن التحركات الروسية ليست مجرد ردود أفعال على سياسات الغرب، بل تأتي ضمن استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق توازن جديد في النظام العالمي. ومع استمرار الصراع في أوكرانيا، ومع تعمق الأزمات في الشرق الأوسط، ستبقى روسيا لاعباً رئيسياً يسعى إلى تحقيق أهدافه من خلال تكوين تحالفات جديدة وتوسيع نطاق نفوذه في مناطق متعددة حول العالم.