تحليل الوعد الصادق اثنان. رداً على اغتيال نصر الله وهنية.. رسالة إيرانية بالصواريخ فرط الصوتية إلى نتنياهو قبيل الانتخابات الأمريكية. فهل يرتدع أم يشعلها حرباً إقليمية كبرى؟
تزامنت الهجمات الصاروخية الإيرانية على كيان الاحتلال الإسرائيلي، والتي استهدفت مواقع عسكرية وقواعد جوية على وجه الخصوص، مع تحولات كبيرة على صعيد الحرب الدائرة منذ قرابة عام في قطاع غزة، بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت القيادات العسكرية في حزب الله عبر تفجيرات البيجر، والتي تبعتها عمليات قصف غير مسبوقة ضد المدنيين في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب بأكثر من 1600 غارة. وفي ذروة هذه الموجة من الاغتيالات وعمليات القصف الوحشية وغير المسبوقة، قصفت إسرائيل بطائرات F35 مقر حزب الله في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، والذي يقع على بعد ثلاثين متراً تحت الأرض، باستخدام قنابل أمريكية فراغية تزن القنبلة ألفي رطل، مما أدى إلى استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقائد فيلق القدس الإيراني في لبنان وعدد من القادة. ولم تكتف حكومة الاحتلال بكل هذه الجرائم المخالفة للقانون الدولي، بل قررت غزة لبنان للمرة السادسة منذ العام 1978.
لقد اعتقد العدو الإسرائيلي، الذي استغل ترسانته العسكرية المتطورة التي يؤمنها له الغرب الاستعماري، أنه في منأى عن أي عقاب أو رد، بعد أن منعت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي من ممارسة مهامه بمحاسبة كيان الاحتلال الإسرائيلي على حرب الإبادة التي يشنها منذ عام على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. واعتقد الكيان المجرم أن جرائمه ضد الشعب اللبناني واستخدامه أحدث الصواريخ وأكثرها فتكاً وتدميراً، لكنه تفاجأ مساء الثلاثاء الأول من تشرين الأول برد إيراني مزلزل أدخل الكيان مجتمعاً في الملاجئ بعد أن دكت الصواريخ الإيرانية المطارات العسكرية ومقرات الموساد، وألحقت بها أضراراً فادحة.
ورغم التعتيم العسكري الإسرائيلي على الخسائر، إلا أن التسريبات الإعلامية أكدت أن القواعد العسكرية الإسرائيلية في النقب وقاعدة نيفتاليم ومقر الموساد كانت إصابتها قاسية. وقد كشفت الضربات الصاروخية الإيرانية، والتي تبعتها عملية نوعية قامت بها المقاومة الفلسطينية في تل أبيب، وأدت إلى مقتل وإصابة عشرات المستوطنين، وكما فعلت المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، فقد أعادت الضربات الصاروخية الإيرانية للمقاومة اللبنانية روحها وقوتها. كما قامت المقاومة العراقية بقصف قواعد أمريكية، وهذه العمليات من محور المقاومة مجتمعة أصابت نتنياهو وحكومته المجرمة مقتلاً وغيرت المعادلات، وأعادت إلى المقاومة اللبنانية توازنها بعد سلسلة الضربات القوية التي تلقتها، وكان أكثر
إيلاماً اغتيال أمينها العام السيد حسن نصر الله، وهي الجريمة التي لاقت ردود فعل دولية واسعة. فبينما كان الرئيس الأمريكي ونائبته المرشحة للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس يتابعون العملية الإسرائيلية التي أودت بحياته في البيت الأبيض، فقد أدانت روسيا والصين الهجوم الإرهابي على الضاحية، كما أدانتا تفجيرات البيجر الإرهابية.
وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، والتي تحمل اسم الوعد الصادق 2، لأنها المرة الثانية التي تقصف إيران كيان الاحتلال بالصواريخ والطائرات المسيرة خلال أشهر.
نتنياهو، الذي كان كالطاووس يزهو قبل أيام بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، أمضى ليلته في الملاجئ وتلقى تقارير جديدة أفادت بأن قوة الرضوان في جنوب لبنان تستخدم قوة نارية كبيرة في التصدي للعدوان الإسرائيلي، الذي أطلقته حكومة الاحتلال بحجة القضاء على حزب الله. إلا أن معركة العديسة بين المقاومة وجنود الاحتلال، التي أدت إلى مقتل وإصابة العديد من جنود الاحتلال، والتي جاءت غداة الهجمات الصاروخية الإيرانية، جعلت قوات الاحتلال في حالة من الارتباك والفوضى، رغم إصرار وتصميم الوزراء المتطرفين في حكومة الاحتلال وعلى رأسهم نتنياهو على المضي في العملية البرية في سادس غزو إسرائيلي للبنان منذ العام 1978.
إن الرد الإيراني الذي جاء متوافقاً مع مبدأ وحق الدفاع المشروع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يؤكد لهذا الكيان المجرم أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى، وأن زمن العربدة الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة قد انتهى إلى غير رجعة.
ومع أن الغرب اصطف إلى جانب العدوان وحاول الدفاع عنه، في وقت تقوم فيه إسرائيل بتحضير وتحشيد المزيد من القوات لشن حرب واسعة على لبنان، رغم أنها تعلن كذباً ونفاقاً أنها عملية محدودة.
ورغم خطورة الأوضاع في المنطقة، فإن حصة الدبلوماسية ضئيلة، حيث تتفرج الأطراف المعنية على ما يجري من انتهاكات إسرائيلية للقوانين والأعراف الدولية، ويقف مجلس الأمن عاجزاً عن فعل أي شيء، وربما ينجح المشروع الوحيد المدعوم أمريكياً سراً وعلانية، وهو المشروع الذي سيشعل المنطقة كلها، بعد أن أعلنت حكومة الاحتلال أنها سترد على الهجمات الصاروخية الإيرانية.
إيران أعلنت أنها أنهت عملياتها، أما في حال قيام العدو الإسرائيلي بالرد، فإن إيران ستقصف بعنف أكثر، كما قال رئيس أركان جيشها اللواء محمد باقري، الذي أكد أن الرد الإيراني سيكون على الرد الإسرائيلي مزلزلاً وقاسياً.
لحظات تاريخية وهامة في مسار الحرب بين محور المقاومة وإسرائيل وقعت ليلة أمس، عندما نفذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهديدها بالرد على اغتيال هنية ونصر الله ورفاقهم من القادة الشهداء تحت عنوان الوعد الصادق 2.
شاشات العالم بأسرها نقلت صوراً عن تساقط الصواريخ فوق القواعد العسكرية والمنشآت الاستخباراتية والقواعد الجوية الإسرائيلية، وكأن العالم يريد أن يقول لنتنياهو إن ما تفعله من وحشية وعدوانية في المنطقة سيفجر حرباً إقليمية وهذه المؤشرات.
فهل ترتدع إسرائيل أم تتجه وتتورط في مشروع الحرب الإقليمية التي يسعى إليها المجرم نتنياهو؟ أم أن هذه الضربات الإيرانية الناجحة ستعقلن الكابينت الإسرائيلي ويعود إلى قواعد اللعبة وينتظر نتائج الحرب في جنوب لبنان؟ وهناك في الجنوب أصبح حزب الله على فجر جديد من الرد الوقائي على العملية البرية الإسرائيلية.
اللافت أن كل هذه الأحداث التاريخية في منطقة الشرق الأوسط تجري، فيما الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس تجري بوتيرة عالية، حيث يعتقد الديمقراطيون أن وقف إطلاق النار في المنطقة وتأجيج الحرب في أوكرانيا يصب في مصلحتهم في الانتخابات ويجعلهم أقرب إلى الفوز، فيما يرى الجمهوريون عكس ذلك، فهم مع نتنياهو يدفعون إلى التصعيد إلى أقصى درجة في المنطقة ويحجمون عن دعم نظام كييف ويدعون إلى وقف المعارك في أوكرانيا.
ويبدو أن التصعيد الكبير والواسع في المنطقة سوف يستمر حتى موعد الانتخابات الأمريكية، لأن الفائز بهذه الانتخابات سيلعب دوراً أساسياً في حسم الأحداث والملفات، فيما تعجز إدارة بايدن اليوم عن القيام بأي مبادرة لوقف التصعيد ولجم المجرم نتنياهو.
يحيى كوسا