سورية تتعرض لموجة من الاعتداءات الإسرائيلية… وموسكو تدين وتحذر من التصعيد وتطالب بوقف إطلاق النار.
مع بدء العام الثاني لطوفان الأقصى، صعّدت حكومة نتنياهو عدوانها على قطاع غزة ولبنان وسورية في محاولة لاستعادة قوة الردع وتغيير شكل المنطقة والبحث عن صورة نصر رمزية تجعل الإسرائيليين والعالم ينسون الهزيمة المدوية التي لحقت بإسرائيل وحكومتها وشعبها في السابع من تشرين الأول عام 2023.
سورية التي خاضت حربًا طويلة على الإرهاب ابتداءً من العام 2011، بقيت تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية طوال الحرب على المجموعات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة. ولا ننسى زيارة نتنياهو إلى المشفى لعيادة جرحى جبهة النصرة في الجولان السوري المحتل في العام 2014.
وخلال عملية طوفان الأقصى، صعّدت إسرائيل اعتداءاتها، إلا أنها خلال الأيام الماضية تجاوزت كل الحدود وكل الخطوط، وبلغت الاعتداءات حدًا غير مسبوق طالت أربع محافظات سورية هي دمشق والقنيطرة وحمص وحماة. واستهدفت الاعتداءات مبنى سكنيًّا في حي المزة بدمشق ومعملًا للسيارات في حمص وموقعين في القنيطرة وحماة.
الاعتداءات الإسرائيلية التي أدانتها سورية مرارًا وتكرارًا وحذرت من أن استمرارها سيعرض الأمن في المنطقة والعالم للخطر، لا يزال العالم يغض الطرف عنها ويتجاهلها باستثناء حلفاء سورية كروسيا والصين وإيران. وهذه الدول حذرت مرارًا من خطورة هذه الاعتداءات، وكان آخرها ما أعلنته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي أدانت الاعتداءات على سورية وأكدت أن العدوان الإسرائيلي البري على لبنان لا يزال يراوح مكانه، في إشارة إلى عدم تمكن إسرائيل من احتلال حتى شبر واحد من لبنان.
كما أدانت المجموعة العربية في الأمم المتحدة بشدة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على الأراضي السورية، مؤكدة وجوب مساءلته وضمان عدم إفلاته من العقاب، وضرورة وضع قرارات الأمم المتحدة موضع التنفيذ لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان. بداية الطريق لتجريم هذا العدو.
الاعتداءات على سورية تزامنت مع غارات وحشية على لبنان والضاحية وعلى قطاع غزة المنكوب، حيث يحاول نتنياهو أن يمحو آثار هزيمته الاستراتيجية خلال عملية طوفان الأقصى، ولكنه ينتقل من فشل إلى آخر. وربما سيكتشف بعد وقت قصير أن اغتيال الأمين العام لحزب الله، والذي يزدهي به ويفاخر، سيرتد عليه، لأن المقاتلين في فرقة الرضوان سيقاتلون جيش الاحتلال بروحية وجرأة قائدهم الشهيد، وستمحو انتصارات المقاومة اللبنانية انتصارات نتنياهو المزعومة. فقد اتخذت المقاومة وحلفاؤها القرار بأنه من غير المسموح الهزيمة، ولهذا جاءت الضربات الصاروخية الإيرانية موجعة وقاسية، نزلت كالصواعق على رؤوس الصهاينة.
سورية التي بقيت لسبعين عامًا ترفض الاعتراف بكيان الاحتلال الإسرائيلي وترفض التوقيع على أي اتفاق معه، لا تزال تدعو إلى وقف المجازر الإسرائيلية وحرب الإبادة المجنونة التي يرتكبها المحتل ضد أبناء الضاحية والبقاع وبيروت ومدن وقرى الجنوب وضد قطاع غزة المنكوب. وتؤكد أنها ستواصل دعم المقاومة بوصفها حقًا مشروعًا للشعوب للدفاع عن أرضها وسيادتها.
الغارات على سورية يراها البعض محاولة من كيان الاحتلال لتوسيع حرب الاستنزاف لتشمل سورية التي تقوم بعمل كبير على صعيد تقديم المساعدات للنازحين السوريين واللبنانيين، والذين بلغت أعدادهم أكثر من ثلاثمائة ألف.
وكان الرئيس بشار الأسد قد أوصى خلال كلمته أمام مجلس الشعب، أوصى الحكومة الجديدة خلال أداء اليمين الدستورية بإعطاء الأولوية للنازحين من لبنان، وأن تقدم لهم كل مستلزمات الحياة الكريمة، وكل ما يحتاجونه من خدمات صحية وتعليمية ونقل وسكن وطعام. وقد عبر المئات منهم عن شعورهم بكونهم في وطنهم وبين أهلهم.
وليست هي المرة الأولى التي تقف فيها سورية إلى جانب لبنان والمقاومة، فلا تزال حرب تموز في العام 2006 ماثلة في الأذهان. مع أنه لا مجال لمقارنة المعركة الحالية مع تلك الحرب، لأن المقاومة اللبنانية اليوم تخوض حربًا فاصلة ووجودية وليست حربًا عادية، حيث يستخدم العدو الإسرائيلي كامل قوته وكامل القوة الأمريكية من طائرات وقنابل واستخبارات. كما أن هذه المعركة الحاسمة والطويلة تأتي بعد خمسة عشر عامًا من الحرب على الإرهاب، خاضها الجيش العربي السوري بالتعاون مع المقاومة اللبنانية ومع الحلفاء الروس والإيرانيين.
وإذا ما نظرنا إلى صورة الأحداث المعقدة ومعركة الاستنزاف الجارية، فإن سورية التي تتعرض لاعتداءات متواصلة منذ سنوات وتزايدت منذ عملية طوفان الأقصى، لم ترد عسكريًا على هذه الاعتداءات لأن أولوياتها محاربة الإرهاب والحصار أولًا، وثانيًا: لأنها تعيش لحظة بلحظة مع المقاومة التي تخوض حرب استنزاف طويلة ومتواصلة. وخلال سنوات الحرب على الإرهاب، كانت سورية تحذر كيان الاحتلال من خطورة الاعتداءات، وتشرك مجلس الأمن عبر رسائل لرفع العتب وللعلم والخبر، وهي تعلم أن المجلس لن يتمكن بسبب الفيتو الأمريكي من إدانة العدوان الإسرائيلي.
وكانت سورية تذكر المجلس بأن العدو الإسرائيلي يختار أهدافه المدنية لإيقاع أكبر عدد من الضحايا وإثارة الرعب، وفي نفس الوقت ليحدث العدوان أكبر ضجة إعلامية، وهو ما فعله في مرات كثيرة داخل العاصمة دمشق والعديد من المحافظات السورية. والعدوان الأخير على منطقة سكنية في منطقة المزة بدمشق والذي أدى إلى استشهاد أطفال ونساء ودمار واسع في البناء دليل على ذلك.
كما يلجأ العدو الإسرائيلي إلى هذه الخيارات الإرهابية الإجرامية لتعويض فشله في ميادين القتال في قطاع غزة وجنوب لبنان، حيث تتكبد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة وتخفق في تحقيق الأهداف التي أعلنتها قبل القيام بغزو قطاع غزة ومحاولات غزو لبنان التي تتصدى لها المقاومة الوطنية اللبنانية ببسالة وتمنع قوات العدو من تحقيق أي تقدم على الأرض.
لن يتمكن العدو الإسرائيلي بهذه الاعتداءات الإرهابية الجبانة على سورية من تحقيق أي شيء أو استعادة هيبته العسكرية والأمنية التي تم ضربها في الصميم، أو حتى النيل من صمود محور المقاومة وإدارته للمعركة على الجبهات المتعددة. وكل ما يمكن أن يحققه هو إضافة المزيد من الجرائم إلى سجله الإرهابي الحافل بجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وارتكاب الأعمال الإرهابية في المنطقة والعالم.
ما يعني سورية في نهاية المطاف أن تلحق الهزيمة بهذا الكيان، وأن يعلم متزعموه وقادته أن المعركة ليست يومًا وليلة، وإنما هي معركة وجود وليست معركة حدود.
ورغم الاجتماعات المتكررة لمجلس الأمن الدولي وللجامعة العربية، ورغم التحركات الأمريكية والإيرانية المكثفة على مدار عام، فقد فشلت كل الجهود في إيقاف الحرب، وذلك بسبب تعنت نتنياهو وإصراره على إطالة أمدها. لأنه يعتقد أن إيقاف الحرب سيوقف مستقبله السياسي ويصب في مصلحة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الأمريكية كامالا هاريس. ولهذا يرفض أن تتوقف الحرب ويعمل على توسيعها باتجاه سورية بعد أن أخفقت قوات الاحتلال في الدخول إلى لبنان عبر بوابات الجنوب الحصينة ورجال المقاومة الصناديد، والذين يكتبون ملحمة سيذكرها التاريخ.