إسرائيل تشن حربا على غوتيريش وقوات اليونيفيل … وتستعد للاجتياح البري
لم يكن مستغربا استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لجنود اليونيفيل الذين يتمركزون في خمسين نقطة على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، خاصة وأن قوات الاحتلال كانت تحاول اختراق الحدود عبر تلك النقاط، إلا أن قوات اليونيفيل رفضت الانسحاب من مواقعها. وأكد المتحدث باسم قوات اليونيفيل الدولية لحفظ السلام في جنوب لبنان أندريا تينينتي رفض قواته مغادرة مواقعها على الحدود مع لبنان بعد طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي منها ذلك، مشيرا إلى أن علم الأمم المتحدة يجب أن يرفرف في هذه المنطقة.
ولاحقا استهدفت قوات الاحتلال جنود اليونيفيل لترهيبهم وأصابت أربعة عناصر، اثنان منهم من الجنسية الإندونيسية والآخران من الكتيبة السريلانكية. كما قصفت بالطائرات محيط مقر قوات اليونيفيل في الناقورة.
مع أن قوات اليونيفيل يبلغ تعدادها أكثر من عشرة آلاف وخمسمائة عنصر، وهي متواجدة في لبنان منذ أول اجتياح إسرائيلي للبنان في العام 1978، ومنوط بها تطبيق القرار 1701 الذي صدر بالإجماع عام 2006 ووافقت عليه جميع الأطراف. الهجوم الإسرائيلي على اليونيفيل وبعدها الهجوم على الجيش اللبناني واستشهاد عنصرين لبنانيين الهدف منهما تفريغ الجنوب كمقدمة للاجتياح البري، إلا أن الجريمة الإسرائيلية ضد اليونيفيل والجيش اللبناني لاقت حملة إدانة واسعة من معظم دول العالم، وبخاصة من إسبانيا وفرنسا والصين وروسيا.
وكان رد الجيش اللبناني على طلب إخلاء المنطقة لا يختلف عن اليونيفيل، حيث قال الجيش إنه سيواصل التصدي لقوات الاحتلال ولن يغادر الجنوب الذي تخوض المقاومة في تلاله ووديانه معارك ضارية مع العدو وتمنعه من التقدم.
وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هاجم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة وهو على منبرها، واعتبر بعد أن خرجت معظم الوفود احتجاجا على جرائمه بحق أبناء القطاع المنكوب أن الأمم المتحدة ليست أكثر من مهزلة مثيرة للازدراء. وقال إن إدانة إسرائيل لجرائمها وصمة أخلاقية في حق الأمم المتحدة، ولم يكترث نتنياهو بمذكرة الاعتقال التي أصدرها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان بحقه وبحق وزير دفاعه يواف غالانت لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
كانت دائما حكومة الاحتلال تريد من الأمم المتحدة أن تغطي جرائمها. ومع أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي تمتلك حق النقض (الفيتو) بقيت لعقود ولا تزال تستخدم الفيتو لحماية إسرائيل، إلا أن ما تريده حكومة نتنياهو هو أن يمتنع أمين عام الأمم المتحدة عن إدانة جرائم الاحتلال، وهذا محال لأن جرائم الاحتلال موصوفة كجرائم حرب وضد الإنسانية. ففي العام 1996، حين شنت قوات الاحتلال عدوانا على مقر الأمم المتحدة في قانا، جنوب لبنان، والتي عرفت بـ”مجزرة قانا الأولى”، وراح ضحيتها أكثر من 110 مدنيين كانوا يحتمون في المقر، دان الأمين العام للأمم المتحدة المجزرة وهذا أضعف الإيمان كما فعل بالأمس غوتيريش.
كما فعلت منظمة العفو الدولية التي أكدت أن: “الكيان الإسرائيلي يواصل التعتيم على جرائم وانتهاكات حرب الإبادة الجماعية في غزة عبر منع وصول الصحافيين الأجانب إلى الأراضي الفلسطينية”.
إن احتقار الأمم المتحدة وعدم احترام قوانينها وعدم تنفيذها منذ قرار التقسيم عام 1948 وصولا إلى قرار وقف إطلاق النار في غزة الذي صدر عن مجلس الأمن مؤخرا ووافقت عليه الولايات المتحدة قبل أن تتراجع، أن كل هذه القرارات بالنسبة لإسرائيل حبرا على ورق بسبب الدعم الأمريكي والغربي. كما بقيت ممارساتها اليومية على الأرض تعد خروقات متكررة تشمل كل نواحي الحياة.
فاحتقار إسرائيل لمجلس الأمن يظهر من خلال قتل المدنيين وتهديم المباني وقتل الصحفيين وقتل المسعفين وتدمير المشافي، بالإضافة إلى حملات التنكيل والاعتقالات والقتل وحملات التفتيش والحصار وقطع المساعدات الإنسانية وتكثيف الاستيطان وتهويد المقدسات واجتياحات المسجد الأقصى، كلها جرائم يومية للاحتلال.
فلا تتطابق التصرفات الإسرائيلية في أي شكل من الأشكال مع القانون الدولي. وحتى أوروبا والولايات المتحدة، وهؤلاء داعمون لإسرائيل، أدانوا المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها نتنياهو ضد الفلسطينيين واللبنانيين. فلم يترك نتنياهو مجالا حتى لأصدقاء إسرائيل للدفاع عنها، لأن الوقوف إلى جانب إسرائيل يعني الموافقة على جرائم الاحتلال التي بلغت أكثر من 4 آلاف جريمة ومجزرة وقعت بأجمعها على مرأى ومسمع من العالم في قطاع غزة وتسببت بموجات من الغضب الشعبي والرسمي على مستوى العالم. وكانت التظاهرات المليونية التي خرجت في الدول ذاتها التي تؤيد إسرائيل كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا عنوانا للمطالبة بمحاكمة دولية لنتنياهو الذي ارتكب من المجازر ما يفوق كل الجرائم التي ارتكبها أسلافه كشارون وشامير وبيريز وأولمرت وبن غوريون.
فقد دعت جنوب إفريقيا وتركيا وإسبانيا إلى محاكمة نتنياهو، وقدمت جنوب إفريقيا كل الأوراق والدلائل والوثائق للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة نتنياهو الذي رفض المثول أمام المحكمة وسخر خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمم المتحدة ومن محكمة الجنايات الدولية ومن القانون الدولي.
وقبل ذلك صادق الكنيست الإسرائيلي على تصنيف منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) “منظمة إرهابية”، ما أثار إدانات أممية ودولية واسعة، وشكل سابقة خطيرة من شأنها تقويض عمل المنظمة الدولية.
ومع أن إدانة غوتيريش لإسرائيل وجرائمها في غزة أمر هام، إلا أن ذلك ليس السبب وراء منع غوتيريش من دخول إسرائيل باعتباره شخصا غير مرغوب فيه، مع كل ما يحمله القرار من احتقار للمنظمة ولأمينها العام وللقانون الدولي بأسره.
فجريمة الاحتلال لا يمكن تغطيتها، ولا يمكن لإنسان يملك قلبا وعقلا وضميرا إنسانيا أن يتجاوزها أو يغطي عليها. ولهذا فقد كان غوتيريش سباقا لإدانة إسرائيل وقام بإرسال خطاب إلى رئيس مجلس الأمن بداية العام الماضي بعد عملية طوفان الأقصى، يطلب تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة بعد “ثمانية أسابيع من الغارات الإسرائيلية الوحشية والمجازر في غزة”. وهذه المادة تضع جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن قائمة الإرهاب بعد جرائمه الوحشية ضد الأطفال والنساء في قطاع غزة.
وقبل ذلك اعتبرت الأمم المتحدة في العام 1975 الصهيونية نوعا من العنصرية وشكلا من أشكال التمييز العنصري، قبل أن تلغي القرار في العام 1991 وذلك كشرط لانضمام إسرائيل إلى مؤتمر مدريد للسلام.
وجاء القرار رقم 446 الذي اعتمد في 22 آذار 1979، والذي يعتبر الاستيطان غير شرعي وغير قانوني. كما تبنت الأمم المتحدة في كانون الأول 2016 قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
كل هذه القرارات كانت تعتبرها إسرائيل مجحفة بحقها وغير عادلة، ولهذا كان العداء مستحكما بين المنظمة الدولية وإسرائيل، رغم أن هذه المنظمة لم تنفذ أي قرار ضد إسرائيل، وبقيت قراراتها ضد الاحتلال مجرد إضافة إلى كل ذلك.
كان انتقاد غوتيريش للاستيطان بمثابة نهاية العلاقة بين إسرائيل وبين الأمين العام. وبالتالي يمكن القول إن العلاقة بين حكومة نتنياهو والأمم المتحدة ممثلة بالأمين العام وصلت إلى مرحلة لا رجعة فيها، وربما تطالب إسرائيل باستقالة غوتيريش، وهي تستطيع ذلك لأنها تحظى بدعم الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمي إسرائيل وتغطي جرائمها.