بعد السنوار: الحرب مستمرة في غزة ولبنان… ونتنياهو يرفض المفاوضات ويطالب بالاستسلام… وحماس تعلن: لا عودة للأسرى قبل وقف إطلاق النار الكامل والشامل…
لم يكن احتفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته بقتل رئيس حركة حماس يحيى السنوار أقل من احتفاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع حلفائه الغربيين خلال زيارته إلى ألمانيا، فكلاهما شريكان في العدوان على قطاع غزة. ومع أن توقيت استشهاد السنوار بعد أكثر من عام على المعارك في قطاع غزة جاء في لحظة قاسية بالنسبة للمقاومة بعد سلسلة اغتيالات طالت عدداً من القيادات، إلا أن تجربة الأيام التالية بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله أثبتت أن المقاومة ظلت قوية وفاعلة، وأن استشهاد القادة ليس سوى مفصل يحفز المقاومين على متابعة دربهم.
العضو في المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، وهو أحد المرشحين لتسلم رئاسة الحركة، أعلن موقفاً سياسياً واضحاً، مؤكداً أن قتل السنوار وكل القادة ورموز الحركة الذين سبقوه لن يزيد حركة المقاومة إلا قوة وصلابة. وشدد على أن أسرى الاحتلال لدى المقاومة لن يعودوا إلا بوقف العدوان والانسحاب الكامل من قطاع غزة وخروج الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال. موقف المقاومة هذا يرفض كل الطروحات التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام العربية حول اليوم التالي لغزة، مؤكداً أن هذا اليوم لن يختلف كثيراً عما كان قبل السنوار، وأن العدوان لابدّ أن يتوقف مهما طال الزمن، وأن بقاء جنود الاحتلال في قطاع غزة مسألة غير واقعية في ظل حرب الاستنزاف المتواصلة والخلافات الداخلية الإسرائيلية.
ومع أن حماس وفتح وجميع الفصائل ترفض حتى الآن فكرة وجود قوات دولية، إلا أن الجرح الفلسطيني المفتوح في غزة يتعمق بسبب فشل الحوار بين فتح وحماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعدم التوصل إلى نتائج ملموسة رغم الاجتماعات المتكررة بين الفصائل الفلسطينية في بكين والقاهرة وموسكو، إلا أن الخلافات بقيت عميقة بسبب التزام السلطة الفلسطينية باتفاق أوسلو مع إسرائيل ورفض حماس والجهاد الإسلامي الاعتراف بإسرائيل، وإصرار حماس على إدارة الحكم في قطاع غزة كما كان الوضع قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023.
ومع أن واشنطن لا تريد أن تتوسع الحرب إلى مواجهة إقليمية بين إيران وإسرائيل، إلا أن الحرب في غزة تثير انتباه الرأي العام الأمريكي، والتظاهرات في أكثر من 400 جامعة أمريكية خير دليل. وفي المقابل، تحرص واشنطن على أمن إسرائيل كما تحرص على الأمن القومي الأمريكي، وعلى تقوية الدور الوظيفي لكيان الاحتلال في المنطقة، حيث تعتبر إسرائيل ضرورة لأمريكا لإبقاء هيمنتها على المنطقة. واليوم، في خضم المعركة الانتخابية بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، تزداد أهمية إسرائيل خاصة وأن اللوبي الصهيوني له كلمته في الانتخابات دائماً.
وفي ذروة نشوته بالنصر، تجاهل نتنياهو الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ومطالب ذوي الأسرى بوقف الحرب على غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى. واعتبر أن استهداف السنوار لحظة هامة في الحرب، وأعلن أن حماس لن تحكم غزة بعد السنوار، رغم أن عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية دعوا مراراً إلى بناء المستوطنات في غزة وتهجير سكانها إلى الأبد. ولا شك أن غياب السنوار عن ساحة غزة حدث مؤثر له تداعيات على المستويين العسكري والسياسي، وسيلقي بظلاله على أي مفاوضات لاحقة، كونه يختلف عن بقية القادة في حماس، فهو قائد ومهندس عملية طوفان الأقصى، والذي أمضى أكثر من عشرين عاماً في المعتقلات الإسرائيلية.
ومع كل ما أظهرته الحركة من مرونة للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى، إلا أن نتنياهو كان دائماً يعطلها ويرمي الكرة عمداً في ملعب المقاومة ويحملها مسؤولية فشل التوصل إلى صفقة. ومع أن الخطة التي أعلنها بايدن في حزيران الماضي ووافق عليها مجلس الأمن كانت مقبولة من حماس، إلا أن نتنياهو دفنها، بإلقاء آلاف القنابل الأمريكية على أطفال ونساء القطاع المنكوب. وبدلاً من وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية، تراجع بايدن عن خطته وتنحى لصالح كامالا هاريس، وأرسل قنابل فراغية وخارقة للتحصينات لاغتيال القادة في حزب الله وقصف غزة والجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت، مما وضع أمريكا بقضها وقضيضها لخدمة مشروع نتنياهو، في محاولة لاسترضاء اللوبي الصهيوني.
ومن المتوقع أن تكون زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في الثاني والعشرين من تشرين الأول فرصة جديدة للعودة إلى المفاوضات، والبحث في حلول لأزمات المنطقة، خاصة بعد فشل نتنياهو في إشعال حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ودخول روسيا مجدداً على خط المفاوضات من خلال علاقاتها مع المقاومة وإيران. وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن حرب إسرائيل على غزة ولبنان واستهدافها سوريا والعراق وتنفيذ اغتيالات سياسية هدفها جر إيران للرد، لتبرير دخول واشنطن في الحرب ضد طهران، مشدداً على أن موسكو تدين سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها تل أبيب بحق الفلسطينيين.
وبانتظار اختيار رئيس جديد لحركة حماس حيث يتنافس جناحان أحدهما أقرب إلى إيران والآخر أقرب إلى قطر ومصر، وبانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية أيضاً، من المتوقع أن يواصل نتنياهو الحرب ولن يوقفها رغم كل النداءات الدولية لوقف إطلاق النار. وتشير المعطيات إلى أن نتنياهو ليس في وارد وقف إطلاق النار بعد أن نقل المعركة من غزة إلى جنوب لبنان، حيث تواجه القوات الإسرائيلية صعوبة في التقدم بسبب استعادة المقاومة لقوتها وزخمها، في ظل الحاجة إلى هدنة على الأقل، لتتنفس الأطراف جميعها الصعداء بعد هذه المعارك الضارية التي قد تغير وجه المنطقة وربما العالم.