رغم تضمين البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني جملة من التوصيات الإيجابية، إلا أنه فشل في تقديم إجابات واضحة عن الأسئلة المصيرية التي تشغل الرأي العام السوري. في حوار مع شبكة شام نيوز إنفو، كشف المحلل السياسي احمد يوسف عن ثغرات كبيرة في صياغة التوصيات، والتي بدت غامضة وقابلة للتأويلات المتباينة. أبرز يوسف غياب مصطلح “الديمقراطية” عن نص البيان، رغم كونه مطلبا أساسيا للشارع السوري منذ اندلاع الأحداث، مما يشير إلى خوف مبطن من الإقرار بحق الشعب في اختيار نظام الحكم.
كما انتقد يوسف الانتقائية الواضحة في تناول قضية الاحتلال، حيث ركز البيان على الاحتلال الإسرائيلي للجولان، بينما تجاهل تماما الاحتلال التركي لأجزاء واسعة من الشمال السوري، والوجود الأمريكي في مناطق النفط الشرقية. وأوضح يوسف أن هذه الانتقائية تعكس ضغوطا سياسية أو تحيزا مسبقا، خاصة أن الأراضي السورية المحتلة من تركيا تقدر بآلاف الكيلومترات المربعة، مقارنة بمساحة الجولان. وتساءل: “هل الاحتلال الإسرائيلي أكثر شرعية من التركي؟ أم أن هناك حسابات سياسية تمنع الإشارة إلى ذلك؟”.
من جهة أخرى، تحدث يوسف عن بنود مثيرة للجدل مثل “معايير التوظيف على أساس الوطنية”، مؤكدا أن غياب تعريف واضح لمصطلح “الوطنية” يفتح الباب أمام إساءة استخدام هذه المعايير لأغراض سياسية أو انتقامية. كما أشار إلى أن بند “العزل السياسي” يفتقر إلى آليات قانونية تحدد معايير العزل وضمانات المحاسبة العادلة، مما قد يعيد إنتاج أشكال جديدة من الاستبداد. وأضاف أن الحديث عن “الجيش الاحترافي” جاء غامضا، حيث لم يحدد مصير الكوادر العسكرية الحالية، التي وصفت بـ”الفلول” بشكل تعميمي غير عادل، رغم وجود ضباط ذوي كفاءة لم يتورطوا في انتهاكات.
أما فيما يتعلق بالبناء المؤسساتي، فقد غاب البيان عن تحديد هوية الدولة (مدنية، دينية، علمانية)، وشكل النظام السياسي (رئاسي، برلماني)، والنموذج الاقتصادي المراد تطبيقه. وأكد يوسف أن هذه الثغرات تضعف قيمة التوصيات، خاصة أنها لم ترفق بآليات تنفيذ ملزمة، بل اكتفت بكونها “نصائح” قد تهمل أو تنتقى وفقا لأهواء السلطة. وخلص إلى أن المؤتمر فشل في تقديم رؤية متكاملة تعيد تعريف الدولة، مما يعمق أزمة الثقة بين الشعب والنخبة السياسية.
وتطرق يوسف إلى إشكالية أخرى تتمثل في غياب أي ذكر لآليات الرقابة على تنفيذ التوصيات، حيث لم يتم تشكيل لجان متابعة مستقلة، أو تحديد إطار زمني لتحويل التوصيات إلى قرارات ملزمة. كما تساءل عن مصير التوصيات التي قد تتعارض مع مصالح السلطة الحالية، مؤكدا أن غياب الضمانات الدستورية يجعلها عرضة للإهمال أو التعديل الانتقائي. وأشار إلى أن المؤتمر لم يناقش حتى مسألة الدستور الجديد، الذي يُعتبر حجر الزاوية في أي عملية انتقال ديمقراطي حقيقية.
ختاماً، شدد يوسف على أن البيان الختامي، رغم احتوائه على بعض النقاط الإيجابية، يبقى وثيقة غير كافية لقيادة المرحلة الانتقالية. ودعا إلى ضرورة إعادة صياغة التوصيات في إطار خطة عمل مفصلة، مع إشراك خبراء قانونيين وسياسيين وممثلين عن جميع المكونات لضمان شموليتها وواقعيتها.