
في حديث خاص عبر شبكة شام نيوز إنفو على أثير إذاعة فيرجن إف إم، قدّم الدكتور ليان مسعد، منسق الجبهة الديمقراطية العلمانية، تحليلاً معمقاً للهجوم الذي استهدف قوات أمريكية في تدمر وأدى إلى مقتل جنود، مشيراً إلى أبعاده الاستخباراتية ووضعه في سياق الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في سورية.
انطلق الدكتور مسعد من الروايتين الرسميتين، السورية والأمريكية، اللتين اتفقتا على وصف الحادث على أنه عمل نفذه فرد واحد، وإن اختلفت في توصيفه: فبينما وصفت السلطات السورية المنفذ بأنه عنصر سيء في الأمن العام كانت تريد فصله، أكد الرئيس الأمريكي السابق ترامب على انتمائه الفكري لداعش. ولكن التحليل تجاوز هذا المستوى لطرح السؤال الجوهري: من جند هذا العنصر؟ ومول العملية؟ وما الهدف الاستراتيجي منها؟
وضع الدكتور مسعد الحادثة في إطارها التوقيتي الحساس، بعد عودة الرئيس السوري من زيارته الناجحة للولايات المتحدة وبعد الإشادة العلنية التي قدمها ترامب له. وخلص إلى أن العملية استهدفت، بشكل أساسي، إجهاض التقارب السوري الأمريكي الناشئ عبر ضربة قاضية. وأشار إلى أن ترامب نفسه، من خلال تصريحاته التي حملت جهات معينة المسؤولية، أدرك هذه الحقيقة وأنقذ الموقف من التصعيد.
وحدد التحليل أربع قوى إقليمية ودولية لديها مصلحة محتملة في عرقلة هذا المسار، ووضعها تحت دائرة الشبهات:
1. إسرائيل: باعتبارها الطرف الأكثر تضرراً من التحسن في العلاقات السورية الأمريكية، وهو ما تجلى – برأيه – في زيارة المبعوث الأمريكي توم باراك لتل أبيب والضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات والبدء بمفاوضات أمنية، مما يكشف عن انزعاجها.
2. تركيا: التي ترى نفسها مُستبعَدة من المعادلة السورية الجديدة لصالح دول الخليج وأمريكا، بعد كل الاستثمارات والتضحيات التي قدمتها خلال السنوات الماضية. واستدل على حساسية الموقف التركي بالإشارة إلى النشاط غير المعتاد لشخصيات دينية بكتاشية موالية لتركيا في الشأن السوري الداخلي، مما يعكس – حسب رأيه – توجيهاً من الأجهزة الأمنية التركية.
3. إيران: التي لها مصلحة مباشرة في زعزعة الاستقرار الداخلي السوري وإعاقة أي تقارب مع واشنطن، نظراً لصراعها مع الولايات المتحدة في المنطقة. ورأى أن طهران قد تمتلك الأدوات عبر شبكات متطرفة، لكنه استبعد فرضية تورطها المباشر بسبب العداء التاريخي بين هذه الجماعات وإيران.
4. روسيا: التي قد تلجأ إلى تحريك الوضع إذا شعرت بأنها تُستبعد من المشهد السوري. غير أنه استبعد ذلك نسبياً نظراً للعلاقة الجيدة المعلنة مع الحكومة السورية الحالية.
وأضاف الدكتور مسعد عنصراً خامساً إلى المعادلة، واصفاً إياه بـ “الجوكر”، وهو قوات سورية الديمقراطية (قسد). واعتبر أن لديها الإمكانيات والمصلحة في توتير العلاقة، لكنه استبعد أن يكون المنفذ سجيناً سابقاً لديها، مما يضعها في مرتبة الاحتمال وليس اليقين.
وكشف التحليل عن تداعيات دبلوماسية مهمة للحادث، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية أبلغت قسد بأن أي اتصال مستقبلي بينهما يجب أن يتم عبر الحكومة السورية في دمشق. واعتبر الدكتور مسعد أن هذا الموقف يهدم جزءاً كبيراً من السياسة الأمريكية السابقة تجاه القوات الكردية، ويعزز من مركزية الدولة السورية.
وخلص الدكتور مسعد إلى أن فشل العملية في تحقيق هدفها الإستراتيجي – وهو تفجير العلاقة السورية الأمريكية – يعود إلى الرد الحكيم من الطرفين، وخاصة من ترامب الذي اختار احتواء الأزمة بدلاً من التصعيد. وأكد أن الحادثة، رغم مأساويتها، كشفت عن تحول جوهري في السياسة الأمريكية التي تبدو مصممة على إنهاء حالة التفتيت والتعامل مع سورية كدولة موحدة ومركزية، مما يغيّر خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة بشكل كبير.

