في سياق التوترات المتصاعدة في المنطقة، شهدت طهران زيارة هامة لسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو، وهي الزيارة التي جاءت في توقيت حساس للغاية، مما أثار العديد من التساؤلات حول أهدافها وتداعياتها. الدكتور سليم حربا، في حديثه لشبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، قدم تحليلاً مفصلاً لأبعاد هذه الزيارة ودلالاتها في ضوء التطورات الراهنة.
بحسب حربا، فإن زيارة شويغو تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وإيران، والتي تتجاوز التعاون العسكري التقليدي لتصل إلى مستوى من التنسيق الوثيق في مواجهة المخاطر المشتركة. هذه المخاطر تتجلى في سياسات الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والتي تهدد استقرار البلدين. شويغو، الذي يعد من أبرز القيادات العسكرية الروسية، جاء إلى طهران محملاً برسائل قوية، ليس فقط لتبادل الآراء حول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، ولكن ليعبر عن وحدة الرؤية بين موسكو وطهران تجاه التهديدات الأمريكية والإسرائيلية المتزايدة.
أشار حربا إلى أن استهداف العاصمة الإيرانية واغتيال قائد بارز مثل هنية داخل طهران لم يكن ليحدث دون ضوء أخضر أمريكي. وهو ما دفع إيران للرد بقوة، مؤكداً أن الموقف الإيراني الحازم بعدم قبول أي إغراءات من الولايات المتحدة، مهما كانت، يعكس تصميم طهران على حماية سيادتها وكرامتها الوطنية. ويبدو أن موسكو تتقاسم مع طهران هذه الرؤية، حيث أتى شويغو ليعبر عن دعم روسيا لهذا الموقف.
وأكد حربا أن توقيت الزيارة ليس محض صدفة، بل يأتي في ظل تصاعد العمليات العسكرية في أوكرانيا واستعراض الولايات المتحدة لطائراتها المتقدمة في المنطقة. وهو ما يزيد من احتمالية أن تكون هذه الزيارة رسالة تحذير روسية إلى واشنطن، بأن أي محاولة لتوسيع الحرب في الشرق الأوسط ستجر روسيا إلى التدخل لحماية مصالحها وحلفائها.
وأشار حربا إلى أن التعاون الروسي الإيراني سيتطلب تعزيز الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة في الحرب الإلكترونية ومنظومات التشويش والرادارات، وهو ما قد يكون جزءاً من التحضير لمواجهة محتملة تتجاوز الرد الانتقامي الإيراني إلى مستوى أعلى من التصعيد. هذه الاستعدادات تذكرنا بتجربة روسيا في دعم العراق خلال حرب 2003، عندما زودت موسكو بغداد بمنظومات تشويش فعالة، وهو ما قد يتكرر الآن ولكن بقدرات تكنولوجية أكثر تطوراً.
من جهة أخرى، يرى حربا أن الوضع الداخلي الأمريكي، الذي يعاني من فراغ سياسي وضعف في إدارة بايدن، يزيد من صعوبة اتخاذ قرارات حاسمة بشأن تصعيد المواجهة مع محور المقاومة. وفي هذا السياق، تبدو الولايات المتحدة أكثر حذراً، حيث تدرك أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تداعيات سلبية تخرج عن السيطرة، وهو ما تسعى روسيا وإيران لتجنبه من خلال تعزيز التعاون بينهما.
في الختام، يرى حربا أن زيارة شويغو إلى طهران ليست مجرد زيارة دبلوماسية، بل هي خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة التوازن في المنطقة، وتوجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها بأن أي تصعيد إضافي لن يكون في مصلحة أحد. التعاون الإيراني الروسي يبدو أنه سيتجاوز المرحلة الحالية ليصبح أكثر شمولية، مع التركيز على تطوير تقنيات حديثة ورفع مستوى الجاهزية لمواجهة أي تهديدات محتملة. وهذه التطورات قد تفتح فصلاً جديداً في العلاقات الدولية، يكون فيه الشرق الأوسط ساحة لمواجهة أوسع بين القوى الكبرى، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر وتحديات.