
بعد الانتصارات والتقدم الميداني… لافروف في رسالة حاسمة إلى أوروبا قبل نهاية ٢٠٢٥.. الاتحاد الأوروبي يعاني العمى السياسي…
لافروف يحدد ملامح السياسة الخارجية الروسية ويشيد برغبة ترامب الصادقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا ويصف أوروبا بالعمى السياسي وهي تعرقل حل الأزمة.
**
بالتوازي مع خطة السلام الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإعلان الاستراتيجية الأمنية الوطنية الأمريكية والتي أُثنيَت عليها روسيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، فقد عكست المواقف التي أعلنها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية الروسية هذا التوافق والانسجام بين واشنطن وموسكو، وعلى وجه الخصوص في مقاربة الملف الأوكراني، ووصل هذا التوافق إلى درجة التطابق. وقد أثنى الوزير لافروف على الجهود التي بذلها الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، هذه الجهود التي جرت مناقشتها خلال زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى موسكو، والتي سيتم حسمها خلال اجتماع كبير سيعقد في أوروبا الأسبوع المقبل بعد موافقة روسيا على الخطة الأمريكية، حيث سيكون العالم أمام لحظة حرجة: إما أن توافق أوكرانيا ورئيسها زيلينسكي وأوروبا على الخطة، وإما أن تتوقف الجهود الأمريكية، وهذا سيشكل تصعيداً كبيراً من جانب أوكرانيا التي أرسلت إلى واشنطن ردها على الخطة الأمريكية. وتشير التسريبات أن كييف لم تضمن ردها الموافقة على الانسحاب من الدونباس بشكل كامل، وهو ما تريده واشنطن وتضغط إدارة ترامب لإجبار أوكرانيا على الانسحاب الكامل من عدد من القرى والمدن التي لا تزال تسيطر عليها داخل الدونباس.
الوزير لافروف، الذي أشاد بالموقف الأمريكي وجهود ترامب لوقف القتال في أوكرانيا، تطرق في خطابه السنوي الشامل إلى ملفات السياسة الخارجية الروسية والعلاقات مع أوروبا والهند والصين، حيث وجه انتقادات شديدة إلى أوروبا وقال إنها تواصل على عكس واشنطن أوهامها بالتمسك بمحاولة إلحاق هزيمة بروسيا، وقال إنها لن تحلم بذلك… خاصة وأن القوات الروسية خلال الأسابيع الماضية أحرزت تقدماً كبيراً ولم يتبق سوى عدة بلدات لتحكم سيطرتها على كامل منطقة الدونباس.
وأكد لافروف أنه لا مخططات لبلاده لشن حرب على أوروبا، ولكن إذا تم اتخاذ أي خطوات عدائية من جانب أوروبا فإن روسيا ستقوم بالرد، وقال لافروف إن الرد جاهز… وأعلن لافروف رفض موسكو نشر أي قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية، وقال: “إن روسيا سترد على نشر أي قوات عسكرية أجنبية على الأراضي الأوكرانية”. وحذر الوزير الروسي من أن روسيا «جاهزة للرد» على أي خطوات عدائية مثل نشر قوات غربية أو مصادرة أصول روسية. وشدد لافروف على أن الاتحاد الأوروبي “في ظل العمى السياسي اليائس”، يخدع نفسه بأنه قادر على هزيمة روسيا.
وأشار لافروف إلى وجود انقسام في الموقف الغربي، خصوصاً بين الولايات المتحدة وأوروبا، مشدداً على أن أوروبا تحاول بكل السبل عرقلة التوصل إلى تسوية بشأن الأزمة الأوكرانية.
وأضاف لافروف: “تحاول أوروبا بكل الوسائل تحريض النظام الأوكراني، ومن يُسمّون بأعضاء نظامه، على مواصلة القتال حتى آخر أوكراني”.
وأضاف: لكن الحقيقة أنهم يعانون من نقص في الأموال، والآن أصبحت الاعتبارات المالية تؤثر في هذا الشحن الأيديولوجي، لأنه لم يتبقَّ لديهم أي مصادر لتمويل هذه الحرب سوى محاولة نهب روسيا والاستيلاء على احتياطياتنا من الذهب والعملات الأجنبية في انتهاك لجميع القواعد المتصورة للقانون الدولي والتجاري، وذلك في إشارة إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة. وأكد أن روسيا سترد بقوة…..
واستذكر لافروف أمام الجمعية الفيدرالية الروسية ما قاله الرئيس بوتين من سنوات في ميونيخ بألمانيا من أن العالم أصبح يتحول إلى التعددية القطبية ولا يمكن كبحه.. وبالفعل أقرت واشنطن في استراتيجيتها الأمنية للعام القادم بأن روسيا والصين قوى عظمى حقيقية، ولكنها قالت عن أوروبا باعتبارها لا قيمة لها. ويبدو أن المعيار الأمريكي للقوة هو امتلاك أسلحة قوية، وقد أصبحت مخازن الأسلحة الأوروبية فارغة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وزير الخارجية الروسي قدم جردة حساب عن السياسة الروسية النشطة والناجحة، وكان تركيزه بالدرجة الأولى حول العلاقات المتوترة مع الغرب وحول الأزمة الأوكرانية، في وقت تحاول أوروبا استخدام كل أوراقها وكل قدراتها من أجل إلحاق هزيمة بروسيا، وهذا عكس التصور الأمريكي والرؤية الأمريكية لإنهاء الصراع، حيث اتضح أن روسيا وأمريكا أصبحتا في خندق واحد تعملان معاً لوقف الحرب بعد موافقة الرئيس بوتين على خطة ترامب للسلام… وقد أثنى الوزير لافروف على حكمة ودور الرئيس ترامب الذي يدفع بكل قوته للتوصل إلى حلحلة الأزمة، واعتبر لافروف أن ترامب يتفهم أسباب الأزمة ويبحث في جميع الخصائص والظروف المتعلقة بهذه الأزمة… وأشاد بجهوده وديناميكيته الإيجابية خلال المفاوضات التي جرت بين الجانبين الروسي والأمريكي…
إنها المرة الأولى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط عام ٢٠٢٢ التي يظهر بوضوح كوضوح النهار التوافق الأمريكي الروسي، والذي لاحت معالمه منذ قمة ألاسكا بين الرئيسين بوتين وترامب.
وقد ظهر التوافق الروسي الأمريكي عبر وثائق رسمية صدرت عن الجانبين، وليس فقط عبر تصريحات المسؤولين في البلدين. فقد أكد لافروف في خطابه السنوي الذي حدد خلاله ملامح السياسة الروسية أمام الجمعية الفيدرالية خارطة طريق للنهج الذي تسلكه الدبلوماسية الروسية. فيما كان التغيير الأساسي في الاستراتيجية الأمنية الوطنية التي أعلنتها الولايات المتحدة والتي تتقاطع مع الرؤية الروسية في مقاربة الوضع اتجاه النظرة إلى أوروبا. ولا ننسى أن موسكو وواشنطن عملتا على استبعاد أوروبا من طاولة المفاوضات الخاصة بأوكرانيا، غير أن أوروبا كانت دائماً تصر على المشاركة.
أيام قليلة وحاسمة لمعرفة نتائج الجهود الأمريكية المكثفة، بانتظار الاجتماع الحاسم الذي ستشارك فيه كل من أوروبا وأوكرانيا والولايات المتحدة لإعطاء موقف نهائي من موضوع الحرب في أوكرانيا ومن خطة ترامب قبل أعياد الميلاد، وذلك بعد موافقة الرئيس بوتين على الخطة الأمريكية. مع أن أوكرانيا تتجه إلى الموافقة على الخطة الأمريكية بعد إجراء بعض التعديلات، غير أن أوروبا لا تزال العقبة الرئيسية لأنها وصلت إلى مرحلة من التفكير الهستيري اتجاه روسيا وهي تتصور أنه ما زال بالإمكان هزيمة روسيا…
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكرملين أعلن بدوره أن تصريحات ترامب بشأن عضوية أوكرانيا في الناتو وملف الأراضي وخسائر كييف تتوافق بشكل كبير مع موقف روسيا…
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا تحتاج إلى سلام مستدام وطويل الأمد يتم تحقيقه على أساس وثائق موقَّعة، وأضاف بيسكوف بأن موسكو ستراقب الوضع عقب تصريحات زيلينسكي حول استعداده لإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا خلال ثلاثة أشهر.
ومن الواضح أن الرضى الروسي على النهج الذي تتبعه إدارة ترامب في مقاربة الأزمة الأوكرانية سيساعد على إيجاد حل للأزمة، وهذا ما عكسته تصريحات الوزير لافروف الذي أكد أن الرئيس دونالد ترامب يُظهر رغبة صادقة في الحوار والدبلوماسية بشأن أوكرانيا، منوهاً إلى أن ذلك يُساهم في تسوية سياسية.
ويبدو أن روسيا لم تعد تعتمد على الدول الغربية باعتبارها محركاً للعلاقات الدولية، وإنها باتت تعتمد على علاقاتها الإقليمية الخاصة مع منظمتي البريكس وشنغهاي، وهي تعيد رسم خارطة تحالفاتها في ضوء الانتصار التاريخي الذي تقترب من تحقيقه عبر الخطة الأمريكية، والتي تعطي روسيا أفضلية واضحة بعد أربع سنوات من الحرب، ليس ضد أوكرانيا وإنما ضد الناتو. ويبدو أن ترامب وإدارته أصبحوا مقتنعين بضرورة منح روسيا الضمانات الأمنية الكافية التي تكفل أمنها القومي لعقود طويلة قادمة وتزيل مخاوفها من تمدد الناتو شرقاً..

