في ماي 2023، طرد حشد غاضب محمد سليم من منزله في شمال الهند. وبعد مرور عام، ما زال هو وجيرانه المسلمون يعيشون في خوف من القوميين الهندوس المتطرفين الذين يريدون طردهم من أراضيهم.
وقال محمد (36 عاما)، وهو ربّ أسرة: “لو لم أهرب في ذلك اليوم لقتلوني وعائلتي بأكملها”.
وبعدما طُرد من منزله ونُهب متجر ملابس كان يملكه، يعيش محمد سالم اليوم مع زوجته وبناته الثلاث حياة مقتصدة على بُعد حوالي مائة كيلومتر من قريته بورولا الواقعة في هاريدوار بولاية أوتاراخاند (شمال)؛ لكنّ فرار سالم كان مدعاة فرح للعديد من الناشطين الهندوس المتطرفين.
ومن بين هؤلاء الناشطين راكيش تومار (38 عاما)، الذي لا ينفكّ يستخدم خطاب كراهية ضد الأقلية المسلمة البالغ عدد أفرادها 220 مليون مسلم من أصل 1,4 مليارات نسمة، ويعتبرها تهديدا.
وقال تومار إنّ “أوتاراخند هي أرض مقدسة للهندوس”، مذكرا بأماكن الحج المتعددة في هذه المنطقة حيث ينبع الغانج، النهر المقدس لدى الهندوس.
وأضاف: “لن نسمح بأن تصبح أوتاراخند مسلمة لأي سبب كان، حتى لو علينا أن نضحي بأرواحنا من أجل ذلك”.
ووفقا لآخر تعداد سكاني أجري في العام 2011، يمثّل المسلمون 13 في المائة فقط من سكان أوتاراخاند البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
وأجّجت شائعات عن “جهاد الحب” أعمال العنف إلى حد كبير العام الماضي، وهي نظرية مؤامرة تتهم الرجال المسلمين بالرغبة في إغواء النساء الهندوسيات بهدف دفعهن إلى تغيير دينهن.
“جهاد التجارة”
وانتشرت هذه الادعاءات على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، وأدّت إلى تقويض الانسجام الطائفي النسبي في المنطقة.
وتومار مقتنع بهذه الادعاءات على الرغم من اعترافه بأنه لا يملك دليلا على صحتها، حاله في ذلك حال العديد من أنصار حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وفي مدينته دهرادون، يقود هذا الناشط الكفاح ضد المسلمين.
وقال: “نشجّع الشركات الهندوسية على وضع أسمائها على متاجرها حتى يشتري الهندوس منها كأولوية”.
وأضاف: “هذه المقاطعة الاقتصادية ستقضي على “الجهاد التجاري”، الذي يقوده المسلمون”.
واستُخدم أسلوب المقاطعة التجارية، العام الماضي، في بورولا.
وفي تلك البلدة، اندلعت أعمال عنف بين الطرفين العام الماضي في أعقاب وضع الهندوس ملصقات على منازل ومتاجر لمسلمين تحضّ سكانها على المغادرة.
ثم توجهت حشود إلى الشوارع لمطالبة 500 مسلم بأن يغادروا فورا هذه البلدة البالغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة.
في البداية، اعتقد محمد سليم أن بإمكانه تجاهل التهديد كونه ولد في بورولا، وكان صديقا لجيرانه الهندوس، وكان حتى إحدى الشخصيات البارزة في حزب بهاراتيا جاناتا على الصعيد المحلي؛ لكنّ استمرار الخطابات النارية طوال أشهر بدّد آماله.
وقال: “هُدّدت بالقتل”. وأضاف: “قال لي الناس: “عليك مغادرة البلدة على الفور وإلا سيقتلك هؤلاء””.
“وطني”
وفرّ محمد من بورولا، في إحدى الليالي، مع 200 مسلم آخر. ولم يتجرأ سوى عدد قليل منهم على العودة منذ ذلك الحين.
وراكيش تومار مقتنع أكثر من أي وقت مضى بأنّ المسلمين يخططون للاستيلاء على أراضي الهندوس وشركاتهم ونسائهم.
ولمنعهم، يقود ما قال إنه “جيش” من مئات الرجال، يشكلون الفرع المحلي لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (فيلق متطوعي الأمة).
وأنشئت هذه المنظمة في العام 1925 لتكون الذراع المسلحة لحزب بهاراتيا جاناتا. وتجمع هذه المنظمة ملايين الأعضاء المؤيدين لعقيدة هندوتفا، وهي إيديولوجية للتفوق العنصري تريد تحويل الهند من دولة علمانية ومتعددة الأديان إلى دولة هندوسية حصرا.
وقال تومار: “إذا كنّا نريد تأسيس أمة هندوسية، فسيحصل ذلك خلال حكم حزب بهاراتيا جاناتا”.
وتستنكر أصوات معتدلة في الهند نجاح هذا الخطاب القومي المتطرف الصادر، خصوصا، عن سكان لا يشاركون في النمو الاقتصادي للبلاد ويشعرون بالغيرة من نجاح المجتمع المسلم.
وقال إندريش مايكهاري، أحد ممثلي المجتمع المدني الهندوسي في دهرادون، إنّ “البعض يريدون فصل الهندوس عن المسلمين” لأغراض انتخابية.
وأضاف: “التصريحات المهينة والتمييزية (ستكون لها) عواقب وخيمة”.
وبعيدا عن هذا الخطاب، لا يحلم محمد سليم إلا بالتمكن من العودة إلى بلدته. وقال: “هذه دياري! أين يمكنني أن أذهب إذا اضطررت إلى مغادرة الأرض التي ولدت فيها؟”.